للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا لم تَستَطعْ أمرًا فدَعْه … وجاوِزْه إلى ما تستطيعُ (١)

فعاد إلى البصرة بالأموال والغنائم. وحجَّ بالناس عثمان بن عفان رضوان اللَّه عليه.

فصل وفيها توفي

أبو ذرّ الغِفاري - (٢)

واسمُه جُندُب بن جُنادة بن كعب بن صُعَير بن الوَقْعَة بن حَرَام بن سفيان بن عُبيد بن حرَام بن غِفار بن مُلَيل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خُزيمة بن مُدرِكة بن إلياس بن مُضَر، من الطبقة الثانية من المهاجرين، وكان آدَم طُوالًا، أبيضَ الرأس واللّحية، لا يُغيِّر شيبَه، وكان شُجاعًا فاتكًا، يقطع الطريق وحده، ويُغير على الصّرم كأنه أسد، ثم قذف اللَّه الإسلام في قلبه، فقدم مكة، وسمع من رسول اللَّه ، وكان يتعبّد قبل مبعث رسول اللَّه وإسلامه قديمًا بمكة، قال: كنتُ في الإسلام رابعًا أو خامسًا، ورجع إلى بلاد قومه، فأقام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق، وقدم المدينة بعد ذلك.

ذكر إسلامه: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي بمكة قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، واعلم لي علمَ هذا الرجل الذي يَزعم أنه نبيٌّ يأتيه الخبرُ من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني.

فانطلقَ حتى قدم مكة، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر، فقال: رأيتُه يَأمرُ بمكارم الأخلاق، وكلامًا ما هو الشعر، فقال: ما شَفَيتَني مما أردتُ، فتزوّد، وحمل معه شنَّة له فيها ماء، حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي ولا يَعرِفُه، وكره أن يَسأل عنه، حتى أدركه الليل، فاضطجع، فرآه علي رضوان اللَّه عليه، فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يَسأل واحدٌ منهما صاحبهَ عن شيء حتى أصبح.

ثم احتمل قِربتَه وزادَه إلى المسجد، فظلَّ ذلك اليوم ولا يرى رسول اللَّه ، حتى أمسى، فعاد إلى مَضجعه، فمرَّ به عليٌّ رضوان اللَّه عليه، فقال: ما أنى للرجل أن يَعلم


(١) ديوانه ١٤٥، والطبري ٤/ ٣١٣.
(٢) سلفت بعض أخباره في سنة ثلاثين.