منزلَه؟ فأقامه علي رضوان الله عليه، فذهب معه ولا يسأل واحدٌ منهما صاحبَه عن شيء.
حتَّى إذا كان اليوم الثالث أقامه علي رضوان الله عليه معه، ثم قال له: ألا تُحدِّثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتَني عهدًا وميثاقًا لَتُرشِدَني، فأعطاه العهد والميثاق، فأخبره، وقال: إنه رسول الله حقًّا، فإذا أصبحتَ فاتْبَعني، فإن رأيتُ شيئًا أخافُه عليك قُمتُ مكاني [كأني] أُهريق الماء، فإن مضيتُ فاتبعني حتَّى تدخل مَنزلي، ففعل، فانطلق يَقفوه حتَّى دخل على النَّبيِّ ﷺ، ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانَه، فقال له رسول الله ﷺ:"ارجع إلى قومك، فأخبرهم حتَّى يأتيك أمري"، فقال: والذي نفسي بيده لأَصرخنَّ بها بين ظَهرانيهم.
فخرج حتَّى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدًا رسول الله، فثار القوم، فضربوه حتَّى أضجعوه، فأتى العباسُ فأكبَّ عليه وقال: ويلكم، ألستُم تعلمون أنَّه من غِفار، وأن طريقَ تجارتكم إلى الشام عليهم، فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه فأنقذه العباسُ منهم.
قال خُفاف بن إيماء بن رَحَضَة: كان أبو ذر رجلًا يُصيب الطَّريق، وكان شجاعًا يتفرَّد وَحدَه، يَقطع الطَّريق، ويغير على الصِّرم في عَمايَة الصُّبح على ظهر فرسه أو على قَدميه، كأنه أسد، وَيطرق الحيَّ، وَيأخذ ما أخذ، ثم إن الله ﷿ قَذف في قلبه الإسلام، وسمع بالنبي ﷺ وهو يومئذٍ بمكة يَدعو مُختفيًا، فأقبل يَسأل عنه، حتَّى أتاه في منزله، وكان قبلَ ذلك قد طلب مَن يُوصله إليه فلم يجد، فانتهى إلى الباب، فاستأذن ودخل، وعنده أبو بكر رضوان الله عليه، وقد أسلم قبل ذلك بيوم أو يومَين، وهو يقول: يا رسول الله، والله لا نَستَسرّ بالإسلام وَلنظْهِرَنّه، ورسول الله ﷺ لا يَردُّ عليه شيئًا.
قال أبو ذر: فقلتُ: يا محمد، إلام تَدعو؟ فقال: إلى الله وحده لا شَريك له، وخَلعِ الأوثان، وتَشهدُ أني رسول الله، فقلت: أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنك رسول الله، ثم قال أبو ذر: يا رسول الله، إنِّي مُنصرفٌ إلى أهلي وناظرٌ متى تَأمر بالقتال فألحق بك، فإني أرى قومَك عليك جميعًا، قال: أصبتَ فانصرف.