للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة الرابعة عشرة من النبوة]

وفيها: اجتمعت قريش في دار الندوة يتشاورون في أمر رسول الله خوفًا أن يلحق بالمدينة، فيقوى عليهم.

وقال ابن عباس : تشاورت قريش بمكة ليلةً على قتل رسول الله ، فأطْلَعَ الله نبيَّهُ على ذلك، فبات علي على فراشه، وخرج رسول الله حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليًّا يحسبونه رسول الله ، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأَوْه رد الله مكرهم وقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري. فاقتصُّوا أثره. وأنزل الله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ﴾ الآية [الأنفال: ٣٠] (١).

[ذكر خروج رسول الله إلى الغار]

قال الطبري في "التاريخ": إن رسول الله قال لعلي في تلك الليلة لما خرج إلى الغار: إن أتاك ابن أبي قحافة فأخبره أني قد توجهت إلى غار ثور، فليلحق بي، وأرْسِلْ إليَّ بطعام، واستأجِرْ لي دليلًا يدلُّني على طريق المدينة، واشتر لي راحلة، ثم مضى وأعمى الله أبصار الذين كانوا يرصدونه حتى خرج (٢).

وقال الواقدي: خرج رسول الله في تلك الليلة وهم مجتمعون على بابه، فأخذ كفًّا من تراب وقال: شاهت الوجوه، ثم مر عليهم وهو يقرأ سورة يس حتى بلغ قوله تعالى ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَينِ أَيدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَينَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (٩)[يس: ٩]، فلم يبصره أحد، ومر رجل عليهم فقال: ما يقعدكم ها هنا؟ قالوا: ننتظر محمدًا، فقال: لقد خِبْتُم وخَسِرْتم، قد مرَّ عليكم وضرب بالتراب وجوهكم، وحثاه على رؤوسكم، قالوا: والله ما أبصرناه. وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم،


(١) انظر "السيرة" لابن هشام ٢/ ٨٩، و "الطبقات الكبرى" ١/ ١٩٣، و"أنساب الأشراف" ١/ ٣٠٠، و"دلائل النبوة" ٢/ ٤٦٩، و"المنتظم" ٣/ ٤٥.
(٢) "تاريخ الطبري" ٢/ ٣٧٢.