جمع المثنى بعد وقعة الجسر جمعًا عظيمًا من العرب، ومَن يليه من أهل البادية؛ ليغير على نهر سُليم، فيأخذ بثأر أبي عبيد، وبلغ الخبر رستم، فجهّز إليه مهران بن باذان ليأتيه من خلفه، وبلغ المثنى فعسكر بالسِّباخ من أرض القادسية وخَفَّان، وبعث إلى جرير ابن عبد اللَّه البَجلي -وكان قريبًا منه- في جمع، فتواعدا البوَيب، واجتمعوا هناك.
وجاء مهران فنزل شرقي الفرات بإزائهم، على موضع يقال له: بَسُوسيا، فقال المثنى: هلك مهران، نزل البسوس والسوء، وأرسل إليهم مهران: إما أن تعبروا إلينا أو نعبرَ إليكم، فقال المثنى: لا نُلدغ من جُحر مرّتين، اعبروا إلينا، ونزل مهران منزلًا يقال له: شوميا فقال المثنى: انهضوا بنا إليهم فقد هلكوا وربِّ الكعبة، انتقلوا من السوء إلى الشؤم.
وحمل المثنى فأبلى بلاءً حسنًا، فقُتل مهران، قتله غُلامٌ نصرانيّ من بني تغلب، وقُتل من الفرس مئة ألف، وكان المثنى سببَ الهزيمة، حمل على القلب فأزاله، وغنم المسلمون أموالًا عظيمة، وسار المسلمون ما بين دجلة والفرات، ومن الفرات إلى البرية مما يلي القادسية، واعتصم الفرس بساباط.
وقال ابن إسحاق: لما بلغ عمر وقعة الجسر، شقّ عليه، واتّفق قدوم جرير بن عبد اللَّه البَجلي من اليمن في وفدٍ من بَجيلة، فقال عمر: سمعتُم ما جرى على إخوانكم يوم الجسر، فسيروا إلى العراق، وبعث معهم القبائل من بني عامر بن صعصعة، وأمّر على الجيش عرفجة، فغضب جرير وقال لعمر: استعملتَ علينا رجلًا ليس منا؟ وبلغ عرفجة فغضب، وقال (١): واللَّه لا أسير معهم، فأمّر عمر جرير بنَ عبد اللَّه البَجلي على بَجيلة.
وسار فنزل قريبًا من المثنى، فأرسل إليه المثنى أن: أَقبِل فإنما أنت مَددٌ لي، فأرسل إليه جرير: أنا أمير وأنت أمير، وسأستأذن أميرَ المؤمنين.
وسار جرير يريد الجسر، فلقيه مهران عند النُّخيلة، وكان مهران من عظماء الفرس، وكان شرقيَّ دجلة، فعبر إليه، والتقوا، فطعن المنذر بن حسّان الضبيّ مهران،