للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألم تعلموا أني تُخافُ عَزائمي … وأنَّ قناتي لا تَلين على القَسْر

وإنِّي وإيَّاهم كمَن نبَّه القَطا … ولو لم تُنتبَّه باتت الطيرُ لا تَسري

ولم يكن لمروانَ علمٌ بالعربية، وكان مولَّدًا، وقال الشعرَ وهو ابنُ عشرين سنة، وكان بخيلًا ساقطَ النفس، خرج يومًا من عند المهديِّ ومعه ثمانون ألفَ درهم، فمرَّ بفقير زَمِن، فسأله، فأعطاه ثلثَي درهم، فقيل له: هلَّا أعطيتَه درهمًا؟! فقال: لو أُعطيت مئةَ أَلْفٍ لأَتممتُ له درهمًا.

وكان لا يأكل اللحمَ بُخْلًا، فإذا قَرِمَ أرسل غلامَه فاشترى له رأسًا فأكله، فقيل له في ذلك، فقال: أعرف سِعْرَه، وليس بلحمٍ يطبخه الغلام فيأكلُ منه، ثم إنَّني آكل منه ألوانًا: عينَيه لونًا، وأُذنيه لونًا، ولحمَ خدَّيه لونًا، ولسانَه لونًا، ودماغَه لونًا، وأُكفى مؤونةَ طبخه، فقد اجتمعت لي فيه مرافق.

وخرج يومًا يريد المهديّ، فقالت له امرأتُه: ما لي عليك إنْ رجعتَ بجائزة؟ فقال: إنْ أعطاني مئةَ ألفِ درهم، أعطيتُك درهمًا. فأعطاه ستِّين ألفًا، فدفع إليها أربعةَ دوانق.

وكانت وفاة مروانَ ببغداد، ودُفن في مقبرة عبدِ الله بن مالك (١).

هُشَيم بن بَشير

ابن أبي خازم القاسمِ بن دينار، أبو معاويةَ الواسطيّ، مولى بني سُليم، وهو بخاريُّ الأصل. وكان ثِقَة كثير الحديث ثَبْتًا، يُدَلِّس كثيرًا.

وكان أبوه سُوقيًّا صاحبَ صَحْناةٍ وكَواميخ (٢)، فطلب ابنه الحديث، فكان أبوه ينهاه، فجالس أَبا شَيبةَ القاضي، وكان يُناظره في الفقه، ومرض هشيم، فقال أبو شيبةَ: ما فعل ذلك الغلام؟ قالوا: مريض. فجاء القاضي ومعه أهلُ المجلس يعودونه، فقيل لبشير ويدُه في الصَّحناة والكامَخ: اِلحق ابنَك فقد جاء القاضي يَعودُه، فجاء فقال: يا بنيّ، قد كنتُ أمنعك من طلب الحديث، أمَّا إذا جاء القاضي إلى بابي، لا


(١) في معجم الشعراء ص ٣١٨، وتاريخ بغداد ١٥/ ١٨٦، وتاريخ دمشق ٦٦/ ٤٩٤، والمنتظم ٩/ ٧١، ووفيات الأعيان ٥/ ١٩٣، والبداية والنهاية ١٣/ ٦١٥: نصر بن مالك.
(٢) الصحناة: إدام يتخذ من السمك الصغار، والكامَخ: نوع من الإدام. القاموس المحيط (صحن) (كمخ).