وله واقعات عجيبة ببغداد حكاها أشياخنا، منها أنَّه كانت له بغلة حرون، ركبها يومًا، فدخلت به في درب لا تنفذ، وكان يوسف قصيرًا مدورًا بعمامة كبيرة وثوب واسع الكمين، فجعل يضرب البغلة وهي تحتك بالحائط ولا تزول من مكانها، فقال: فَعَل الله بالغلام وصنع، كم أقول له: استعمل هذه البغلة تحت الرَّاوية حتَّى تلين آذانها، وهو لا يقبل. وهناك امرأة مُطِلَّةٌ من روزنة، فقالت له: يا فقيه، فذي ما تحمل دلو، فكيف تحمل راوية؟! فخجل، ونزل من عليها، وساقها بين يديه.
ومنها: أنَّه اجتاز يومًا بمحلة قَرَاح أبي الشَّحم، فنبحته كلاهما، فقال: قبَّح الله كلاب هذه المحلَّة، فما أكثرها وأضراها! فقالت امرأة من طاقة: نعم، وكلهم اليوم غرباء.
ومنها أنَّه اجتاز على جماعة، فسلَّم عليهم، فلم ينصفوه، فقال لغلامه: ما ترى هؤلاء التيوس؟ فقال واحد منهم: الله يحفظك يا أبانا. ومن هذا شيء كثير.
السنة الرَّابعة والستون وخمس مئة
في المحرَّم ملك نورُ الدِّين محمود قلعة جَعْبر، خرج صاحبها ابنُ مالك العُقَيلي يتصيَّد، فأخذه بنو كلب، وذهبوا به إلى نور الدين، فأحسن إليه وأكرمه، وقال: أنتَ عاجز عن حِفْظها، فاخترْ مهما شِئْتَ من الإقطاعات والبلاد. فامتنع، فأرسل إليها نور الدين فخر الدين مسعود بن الزَّعفراني ومجد الدِّين بن الدَّاية، فحاصراها، فلم يقدرا عليها، ثم إن صاحبها طلب من نور الدين سَرُوج وأعمالها ومالًا، فأعطاه وتسلمها. وهذه القلعة ما زالت في يد بني مالك من أيام السُّلْطان ملك شاه إلى هذه السنة، وبلغ نور الدين أنهم كان لهم رجال يقطعون الطريق.
وفي صفر خرج الفرنج من عَسْقلان والسَّاحل طالبين الدِّيار المِصْرية، فنزلوا [على](١) بِلْبِيس، وأغاروا على الرِّيف، فقتلوا وأسروا، فأخرج شاور مَنْ كان بالقاهرة من الفرنج، وقَتَلَ البعض وهرب الباقون، وأمر شاور أهل مصر بأن ينتقلوا إلى