للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القاهرة، وأحرق مِصر، وسار الفرنج [من] (١) بِلبْيس، فنزلوا على القاهرة في تاسع صفر، وضايقوها، وضربوها بالمجانيق، فلم يجد شاور بُدًّا أن كاتب نورَ الدين بأمر العاضد، وكان الفرنج لما وصلوا إلى مصر في المرَّتين الأوليين اطَّلعوا على عوراتها، وطمعوا فيها، وعلم نور الدين، فاسترجع وخاف عليها، وجاءته كُتُبُ العاضد وشاور فقال نور الدين لأسد الدين: خُذِ العساكر وتوجَّه إليها، وقال لصلاح الدين: اخرج معه. فامتنع، وقال: يا مولانا ما يكفي ما لقينا من الشَّدائد! فقال: لابُدَّ من خروجك. فما أمكنه مخالفة نور الدين.

فساروا إلى مِصْر، وبلغ الفرنج، فرجعوا إلى السَّاحل، وقيل: إنَّ شاور أعطاهم مئة ألف دينار، وجاء أسد الدين فنزل على باب القاهرة، فاستدعاه العاضد إلى القَصْر، وخلع عليه في الإيوان خِلَع الوزارة، وسُرَّ أهل مصر بوصوله.

وقيل: إنَّه لم يستدعه، وإنما بعث إليه بالخِلَع والأموال والإقامات وللأمراء الذين معه، وأقام مكانه وأربابُ الدَّولة يتردَّدون إلى خِدْمته كلَّ يوم، ولم يقدر شاور على منعهم لكثرة العساكر وكون العاضد مائلًا إلى أسد الدين، فكاتَبَ الفرنج، واستدعاهم، وقال: يكون مجيئكم إلى دمياط في البحر والبر. وبلغ أعيانَ دولة المِصْريين، فاجتمعوا عند أسد الدين، وقالوا: شاور [هو] (١) فساد العباد والبلاد، وقد كاتَبَ الفرنج، وهو يكون سبب هلاك الإسلام.

ثم إنَّ شاور خاف لما تأخَّر وصول الفرنج، [فشرع] (٢) في عمل دعوة لأسد الدِّين والأُمراءِ ويقبضهم، فنهاه ابنه الكامل، وقال: واللهِ لئن لم تنته عن هذا الأمر لأعرِّفن أسد الدين. فقال له شاور: والله لئن لم أفعل هذا لنُقتلن كلنا. فقال: [له ابنه] (١): لأن نقتل والبلاد بيد المسلمين خيرٌ من أن نُقْتَلَ والبلاد بيد الفرنج.

وكان شاور قد شَرَطَ لأسد الدين ثُلُثَ البلاد، فأرسل [أسد الدين] (١) يطلب منه المال، فجعل يتعلَّل ويماطل وينتظر وصولَ الفرنج إلى البلاد، فقتلوه، وسنذكره [في موضعه] (١) إن شاء الله تعالى.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) في (ح): فعمل، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).