وكان جعفرٌ مُحْسِنًا إلى العلماءِ؛ مثلِ سفيانَ بن عيينةَ والفضيلِ بن عياضٍ والأصمعيّ، ولمَّا قُتل جعفر، بكى سفيانُ بن عيينةَ وقال: اللهمَّ كان قد كفاني مؤونةَ الدُّنيا فاكفِه مؤونةَ الآخرة.
وقال العُتْبي: قال الرشيدُ بعد البرامكة: وَدِدتُ واللهِ أنِّي شوطرتُ عُمري، وغَرِمت نصفَ مُلكي؛ وأنِّي تركتُ البرامكةَ على أمرهم، لعن اللهُ مَن أغراني بهم؛ فإنِّي واللهِ ما وجدتُ راحةً بعدهم ولا رأيت خيرًا.
وكان هارونُ قد ولَّى الفضلَ بن يحيى خراسان، ثم عزله بعليِّ بن عيسى بنِ ماهان، وكان عليٌّ زوجَ ابنةِ يحيى بنِ خالد، وكان عدوًا للفضل بنِ يحيى وإخوتِه، فجمع علي أموال خراسانَ واتَّخذ أكياسًا حُمرًا وصُفرًا وخُضرًا، وجعل في كلِّ كيسٍ ألفَ درهمٍ وأَلقاها في دار العامَّة، وخرج هارونُ فنظر إليها فأَعجبته، فقال ليحيى: يا أبي، أين كان أخي الفضلُ عن هذه الأموال؟ فقال له يحيى: إنَّ الفضل وفَّر هذه الأموال على أَربابها وأعطاهم أمواله زيادةً عليها ليتمسَّكوا بطاعتك، ويكونوا عُدَّةً لك على عدوِّك، وهذه أموالُ قومٍ قد ظلموا وعَدَوا، واللهِ لَتُنفقنَّ مكانَ كلِّ درهمٍ دينارًا، ثم لا يُغنيك ذلك حتى تباشرَ الأمرَ بنفسك، ولا يُغني ذلك.
فلمَّا خرج رافعُ بن الليثِ على هارونَ بعدما نكب البرامكة، بعث إليه الجيوشَ ورافعٌ يهزمها، وأَنفق مكانَ كلِّ درهمٍ دنانيرَ ولم يُفِده ذلك شيئًا، حتى خرج بنفسِه إلى خراسان، فمات في تلك اللَّيلة، فكان يتأسَّف على البرامكةِ ويقول: لعن اللهُ مَن أَغراني بهم.
الفُضَيل بن عِياضِ رحمةُ الله عليه
أبو عليٍّ، التَّميميُّ، اليَربوعيّ (١). من الطبقة الخامسةِ من أهل مكَّة.
وُلد بخراسان بكُورة أَبِيوَرْد، وقدم الكوفةَ وهو كبير، فسمع بها الحديثَ من منصور بنِ المعتمر وغيرِه، ثم انتقل إلى مكَّة، فأقام يتعبَّد بها إلى أن مات في أوَّل سنةِ سبعٍ
(١) طبقات ابن سعد ٨/ ٦١، طبقات الصوفية ٦، حلية الأولياء ٨/ ٨٤، تاريخ دمشق ٥٨/ ١١٩، المنتظم ٩/ ١٤٨، صفة الصفوة ٢/ ٢٣٧، مناقب الأبرار ١/ ٤١، تاريخ الإسلام ٤/ ٩٤٢، السير ٨/ ٤٢١.