للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابنُ جامعٍ إذا سمعها بكى ما دامت تغنِّي، وكان شراؤها على جعفرٍ مئةَ ألفِ دينار، فطلبها الرشيدُ منه، فلم يدفعْها إليه. فلم يكن إلا قليل حتى نزل بهم ما نزل، وأُخذت الجاريةُ في جملة مَن أُخذ وجمع الجواري العوامل.

قالت أمية: ثم إنَّ الرشيد جلس لنا، فأُدخلنا عليه وبيد كلِّ واحدةٍ منَّا ما تعمل به، فأَقبلَ يأمر كلَّ واحدةٍ واحدةٍ فتغنِّي، حتى بلغ إلى فنفنة، فقال لها: غنِّي، فامتنعت وقالت: أمَّا بعد السادِة فلا، فقلنا لها ونحن نُرعَد من الخوف: ويحكِ غنِّي، فأسْبَلَتْ دَمعَها، فنظر هارونُ إلى أقبحِ مَن على رأسه -وهو الحارثُ بن سحر (١) - وقال: خذها فقد وهبتُها لك، فأخذ بيدها وأَقامها. فلما ولَّى الحارث، دعاه فأسرَّ إليه سرًّا ألا يَقربَها، عَلِمنا بعد ذلك، ومكثنا أيَّامًا، فاستحضرنا وقال للحارث: أين فلانة؟ فأَحضرها، وقال لها: غنِّي، قالت: أمَّا بعد السَّادة فلا. فأمر بإِحضار السيفِ والنِّطع، وقال للسيَّاف: إذا أشرتُ إليك فاقتلها، وقال لها: غنِّي، فبكت وقالت: أمَّا بعد السادةِ فلا، ولم يبقَ إلَّا أن يشيرَ إلى السياف، فقلنا لها: ويحك غنِّي، وناشدناها الله في نفسها، فأَخذت العودَ واندفعت تقول: [من المنسرح]

لمَّا رأيتُ الدِّيارَ قد دَرَسَت … أَيقنتُ أنَّ النَّعيمَ لم يَعُدِ

قال: فوثب الرشيدُ قائمًا وأخذ العودَ من يدها، وأَقبل يضرب وجهها ورأسَها حتى تفتَت، وجرت الدِّماءُ على وجهها وثيابِها، وحُملت من بين يديه، فمكثت ثلاثًا ثم ماتت رحمها اللهُ تعالى.

وقال محمَّد بن عبد الرَّحمن الهاشمي: دخلتُ على أمِّي في يومِ أَضحى وعندها امرأة بَرْزةٌ في أثوابٍ رَثَّة، فقالت لي: أَتعرف هذه؟ قلت: لا، قالت: هذه عُبادةُ أمُّ جعفرِ بن يحيى. فسلَّمتُ عليها ورحَّبت بها، وقلتُ لها: حدِّثيني ببعض أمرِكم، فقالت: أَذكر لك جملةً كافية [فيها] (٢) اعتبار لمَن اعتبر، وموعظةٌ لمن فكَّر، لقد هجم على مثلُ هذا العيدِ وعلى رأسي أربعُ مئةِ وصيفةٍ، وأنا أَزعم أنَّ ابني جعفرًا لي عاقّ، وقد أتيتُكم اليومَ أسألكم جِلدَ شاتَين أجعل أَحدَهما شِعارًا والآخَر دِثارًا.


(١) كذا في (خ)، وفي المنتظم ٩/ ١٣٠: بسيحر.
(٢) زيادة من مختصر تاريخ دمشق ٦/ ١٠٥.