أبا سعيد، تدري ما يقول هؤلاء؟ فقال: وما يقولون يا أبا فراس؟ قال: يقولون: قعد على هذا القبر اليوم خيرُ أهل البصرة وشرُّ أهل الأرض، قال: ومن يَعنون بذلك؟ قال: يعنوني وإياك، فقال الحسن: يا أبا فراس، لستُ بخير أهل البصرة، ولستَ بشَرِّها، ولكن أخبرْني ما أعدَدْتَ لهذا المضجع؟ وأومأ بيده إلى اللَّحْد، قال: الخيرَ الكثير، أعددتُ يا أبا سعيد شهادةَ أن لا إله إلَّا الله منذ ثمانين سنة، قال الحسن: الخير الكثير أعددت يا أبا فراس.
أسند أبو رجاء عن عثمان، وعلي رضوان الله عليهما.
وكان ثقةً كثير الحديث، وله رواية وعلم بالقرآن، وأمَّ قومَه في مسجدهم أربعين سنة، وخرج الحسن البصري في جنازته وهو راكب على حمار، فصلّى عليه، وفيه يقول الفرزدق:[من الطَّويل]
ألم ترَ أنَّ النَّاسَ مات كبيرُهم … وقد عاش قبلَ البَعْثِ بعثِ محمدِ (١)
أبو سعيد المَقبُريّ
واسمه كَيسان، وهو مولى لبني جُنْدَع من بني ليث بن بكر بن عبد مَناة بن كنانة.
وهو من الطبقة الأولى من التّابعين من أهل المدينة، وكان منزلُه عند المقابر فقالوا: المَقبُريّ.
قال أبو سعيد: كنت مَملوكًا لرجل من جُنْدَع، فكاتبني على أربعين ألفًا وشاة لكلّ أضحى، فتهيّأ المال، فجئت به إليه، فأبى أن يأخذه إلَّا على النُّجوم، فجئت إلى عمر بن الخطاب فذكرتُ ذلك له فقال: يا يَرْفأ، خذ المال فضَعْه في بيت المال، ثم ائتنا العشيَّة نكتبْ عتقَك، فإن شاء مولاك أخذَه، وإن شاء تركَه، وبلغ مولاي فجاء فأخذ المال، ثم أتيتُ عمر بزكاة مالي بعد ذلك فقال: أخذتَ من المال شيئًا منذ عَتقتَ؟ قلت: لا، قال: فارجع به حتَّى تأخذَ منه شيئًا، ثم ائتِنا بعد.
(١) "طبقات ابن سعد" ٩/ ١٣٨، و "المنتظم" ٧/ ٦١، و "السير" ٤/ ٢٥٣.