حريقٌ فاحترق الجميعُ، فاستأذنوا عمر في البناء باللبن، فأذن لهم وقال: لا تَطاولوا في البُنيان، والزموا السنَّة تَدُمْ لكم الدولة.
قال هشام: أوَّلُ مَن بني بظاهر الكوفة بالآجُرِّ خَبَّابُ بن الأرتّ وعبدُ اللَّه بن مسعود، ثم بني سعدٌ بعد ذلك قصرَ الإمارة.
وكان مقدارُ الكوفة ستةَ عشر ميلًا، فما مضت إلا مدّةٌ حتى صار فيها مئةُ ألف دار، وفي جامعها مئةُ حلقةٍ للعلم والحديث والفقه.
[فصل في ذكر خروج عمر إلى الشام المرة الثانية]
قال علماء السير منهم سيف بن عمر: كان سببُ خروج عمر إلى الشام المرّة الثانية: أن ملك الروم جَهَّز الجيوش إلى الشام، وكاتب أهلَ الجزيرة، فعسكر أبو عبيدة بفِناء حمص، وكان خالد بن الوليد بقِنَّسرين فانضم إليه، وكان عمر قد اتَّخذ في كلِّ مِصرٍ خيلًا مُعَدَّةً للعدوِّ، وكان من ذلك أربعةُ آلاف فارسٍ بالكوفة، فكتب أبو عبيدة إلى عمر يُخبره الخبر، فكتب عمر إلى سعدٍ يخبره أن أَبا عبيدة قد أُحيط به.
فندب الناسَ مع القعقاع بن عمرو إلى حمص، وأمره أن ينفذ سُهيل بن عديّ إلى الجزيرة، فإنهم الذين أشاروا على الرُّوم بالخروج، وأن تُسيِّر الوليد بن عُقبة بن أبي مُعَيط إلى الجزيرة والرقّة، ردْءًا للقعقاع ولسُهيل بن عديّ، وعبد اللَّه بن عِتبان إلى نَصيبين، وعِياض بن غَنم على المقدِّمة، وإليه أمرُ أمراء الجزيرة.
وجمع عمر المسلمين وقال: لابُدَّ من المسير إلى نجدة أبي عبيدة، واستخلف على المدينة عليَّ بن أبي طالب، وسار في وجوه المهاجرين والأنصار حتى نزل سَرْغ، وقيل: الجابية.
وأما أبو عبيدة فاستشار المسلمين في التَّحصُّن إلى أن يأتيهم الغِياث، أو مُناجزة العدو، فقال خالد بن الوليد: ناجِزهم وقال الباقون: تحصَّنْ حتى يأتي الغياث، فأطاع الناس وعصى خالدًا.
ومضى القعقاع في أربعة آلافٍ مُجدًّا نحو حمص، ورأى أبو عبيدة مُناجزةَ القوم، فسار إليهم، فهزمهم اللَّه وفتح عليه، ووصل القعقاع بعد ثلاثة أيام من الوقعة، فكتب عمر إلى أبي عبيدة أسهِمْهم في الغنيمة؛ فإنهم نفروا إليك، وتفرَّق عدوُّكم بهم.