للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي كلَّمه بهذا الأشعث بن قيس.

فأقبل حتَّى نزل النَّخَيلَة، وأمر الناس أن يَلزَموا عسكرَهُم، وأن يُقِلُّوا زيارةَ بيوتهم ونسائهم حتَّى يسيروا إلى عدوِّهم، فأقاموا أيامًا، ثم تسلَّلوا من مُعسكرهم فدخلوا الكوفة، إلا رجالًا من وجوه الناس قليلًا، وبقي العسكر خاليًا، فلما رأى علي ذلك انكسر رأيُه في المسير إلى الشام، ودخل الكوفة.

وقال هشام: وكان الأشعث بن قيس مُنافقًا، وهو الَّذي ارتدّ عن الإسلام، ونافق على أمير المؤمنين لما عزله عن أرمينية، وإنما عزله عنها لأن أبا بكر وعمر ما كانا يُولِّيان من ارتَدَّ ولايةً، والأشعث هو الَّذي قال أبو بكر في حقّه عند وفاته: لو قتلتُه لأرحتُ الناس منه، وهو الَّذي أفسد الأمور على علي بصفين، وقد ذكرناه، ثم إنه كان يكاتب معاوية ويطالعه بالأخبار، وكان معاوية يبعث إليه بالأموال الكثيرة إلى أشراف الكوفة ورؤسائهم، فمال إلى معاوية بعد صفّيق، [فكان معاوية] يقول: لقد حاربتُ ابنَ أبي طالب بغير جيش ولا قتال (١).

[ذكر خطبة أمير المؤمنين حين قعدوا عنه]

وقد خطب خُطبًا كثيرة اخترتُ منها خُطبتين:

الخطبة الأولى؛ ذكرها أبو مخنف وهشام وغيرهما، عن أشياخهم قالوا: خطب أمير المؤمنين الناسَ لما تقاعدوا عن المسير إلى قتال معاوية فقال: أيُّها الناس، استعدُّوا للمسير إلى جهاد عدوِّكم … وذكر كلامًا، وقال: ما بالكم إذا دعوتُكم إلى قتالِ أهل الضَّلال تثاقلتُم إلى الأرض، أرضيتُم بالحياة الدنيا من الآخرة؟! أوَكلَّما ناديتكم إلى الجهاد دارت أعينُكم في رؤوسِكم، كأن فيها كَمَهًا فأنتم لا تُبصرون، وقلوبكم قاسية كأنكم لا تعقلون، والله ما أنتم إلا أُسود شَرَى في الدَّعَة، وثعالبُ رَوَّاغة حين تُدعون إلى البَأس، ما أنتم لي بثِقات … في كلام آخر.

وفيها؛ إن عدوّكم لا يَنام عنكم، وأنتم في غَفْلةٍ ساهون، إن لي عليكم حقًّا، ولكم عليَّ حقًّا؛ أما حقكم فقِسمةُ الفَيءِ فيكم، وأما حقَي فالوفاء بالبيعة، والسمعُ والطَّاعة،


(١) ما بين معكوفين من أنساب الأشراف ٢/ ٢٧٥.