للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فبكى هشام حتى أخْضَلَ لحيتَه، وبلَّ عِمامتَه، وأمرَ بنزع آنيته، وانفرد عن أهله وحشمه، وعاد إلى مصره.

قال خالد: فاجتمع إليَّ حاشيتُه وخدمُه وقالوا: كدَّرْتَ على أمير المؤمنين لَذَّتَه، ونَغَّصْتَ عليه مأدُبتَه! فقلت: إليكم عنّي، فإني عاهدتُ الله أن لا أخلوَ بملكٍ إلَّا ذكَّرْتُه بأيَّام الله تعالى (١).

وخالدُ بنُ صفوان بن الأهتم

من بني تميم، واسمُ جدِّه الأهتم عبدُ الله بن سنان بن سُمَيّ (٢) بن سِنان بن مِنْقَر، وإنما لُقِّب بالأهتم لأن قيس بن عاصم (٣) ضربَه بقوس، فهتمَ فاه (٤).

وكان صفوان رئيس بني تميم، وكان خطيبًا، وأوصى عند وفاته بمئة وعشرين ألف درهم، وحضره الحسن البصري فقال (٥): ما هذه؟ فقال صفوان: أعددتُها لعضِّ الزمان، وجفوةِ السلطان، وإعراض الإخوان. فقال الحسن: خلَّفْتَها لمن لا يحمدك، وتَقْدَمُ على من لا يعذُرُك.

وكان خالد من فصحاء العرب، وكان شحيحًا، طلب منه رجلٌ شيئًا، فأعطاه درهمًا، فقال: أما تستحيي تُعطيني درهمًا؟! فقال خالد: يا أحمق، الدرهمُ عُشْرُ العَشَرة، والعَشَرةُ عُشْرُ المئة، والمئة عُشْرُ الألف، والألف عُشْر العَشَرَة آلاف (٦).


(١) ينظر الخبر مطولًا في "تاريخ دمشق" ٥/ ٤٦٤ (مصورة دار البشير)، و"المنتظم" ٧/ ٢١٥ - ٢١٨، وهو بنحوه في "أنساب الأشراف" ١١/ ٣٥٣ - ٣٥٦. وينظر خبر الخَوَرْنق في "التوّابين" ص ٦٤ - ٦٧.
(٢) كذا في (ب) و (خ) و (د) (والكلام منها). وإنما اسمُ الأهتم سنانُ بن سُمَيّ … إلخ، وهو جدُّه الأعلى، فخالد هو ابنُ صفوان بن عبد الله بن عمرو بن الأهتم. ينظر "أنساب الأشراف" ١١/ ٣٤٣، و"تاريخ دمشق" ٥/ ٤٦٣.
(٣) بعدها في (د) كلمة غير واضحة، ولعلها: المنقري.
(٤) أي: كسر أسنانه.
(٥) في "أنساب الأشراف" ١١/ ٣٤٤: فقال قائل لصفوان.
(٦) بعدها في "تاريخ دمشق" ٥/ ٤٧٥: ألا ترى كيف ارتفع الدرهم إلى دِيَةِ المسلم، واللهِ ما تطيبُ نفسي بدرهم أُنفقُه إلَّا درهمًا قرعتُ به باب الجنة، أو درهمًا أشتري به موزًا فآكله. والخبر أيضًا في "أنساب الأشراف" ١١/ ٣٥٦ دون هذه الزيادة، وفيه: والألف عُشر دية المسلم، بدل قوله: والألف عُشر العشرة آلاف.