للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المخصِبة رعيتَها بقدر اللَّه، وإنْ رعيتَ المجدبة رعيتَها بقدر اللَّه؟

قال: فجاء عبد الرحمن بن عوفٍ وكان مُتغيِّبًا في بعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا علمًا، سمعتُ رسول اللَّه يقول: "إذا سمعتُم به في أرضٍ فلا تَقربوبها ولا تَقدُموا عليه، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارًا مَنه"، قال: فحمد اللَّه عمر، ثم انصرف، وقال لعبد الرحمن: أنت عندنا الصادق المصدوق، أخرجاه في الصحيحين (١).

ومعنى قوله : "فلا تَقدموا عليه"، نَهيٌّ عن التعرُّض للتَّلف، و"لا تخرجوا منها" له معنيان: أحدُهما: أنَّه يُعلّم التسليمَ لأمر اللَّه والتوكُّلَ عليه، والثاني: لأنه إذا خرج الأصِحَّاء لم يبقَ للمرضى مَن يقوم بهم ولا بأمرهم ولا بخدمتهم فيهلكوا.

وروى بمعناه جماعةٌ من الصحابة، منهم أسامةُ بن زيدٍ قال: سمعتُ النبي يقول: "إن هذا الوباء رِجزٌ أهلك اللَّه به الأممَ قبلكم، وقد بقي منه شيءٌ في الأرض، يجيءُ أحيانًا ويذهب أحيانًا، فإذا وقع بأرضٍ فلا تأتوها".

والطريق الثاني أخرجه أحمد بإسناده عن أسامة بن زيدٍ قال: قال رسول اللَّه : "إذا سمعتُم بالطاعون في أرضٍ فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارًا منه". والطريقان في الصحيحين، وهذه روايات الصحيح (٢).

فأما أقوال علماء السِّير، فقال ابن إسحاق والواقدي وهشام: خرج عمر إلى الشام غازيًا سنة سبع عشرة، حتى إذا كان بسَرْغٍ لقيه أمراءُ الأجناد، فأخبروه أن الأرض سقيمة، فعاد بالناس إلى المدينة، وكان فيهم كعب الأحبار، وكان ممّن أشار عليه بالرجوع، وقالوا: وأسلم كعب في هذه السنة، وقيل: في سنة خمس عشرة.

[ذكر اختلاف العلماء في خرجات عمر إلى الشام]

ذكر جدي في "المنتظم" (٣) وقال: خرج عمر إلى الشام أربع مراتٍ: مرّتين في سنة ست عشرة، ومرّتين في سنة سبع عشرة، فأما في هذه المرة فإنه لم


(١) صحيح البخاري (٥٧٢٩)، وصحيح مسلم (٢٢١٩).
(٢) مسند أحمد (٢١٧٩٨)، وصحيح البخاري (٦٩٧٣) (٦٩٧٤)، وصحيح مسلم (٢٢١٨).
(٣) في ٤/ ٢٢٤.