للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تابوت القائم على سكون ووقار من غير صياح ولا عويل، وصُلِّي عليه وكُبِّر أربعًا، ونُقل إلى حجرة كانت برسم جلوسه فدُفِنَ فيها، وجلس الوزير أبو عميد الدولة في صحن السلم ثلاثة أيام، وكان أبو الأغر دُبيس قد استُدعي في مرض القائم فقدم يوم الخميس بكرةً، ومات القائم بعد حضوره، ودخل مع الناس، وبايع المقتدي، وحضر [العزاء] (١) مع الوزير والجماعة، وخرج في اليوم الرابع توقيع التعزية والنهوض من العزاء، وغُلِّقت الأسواق، وعُلِّقت المسوح، وفُرشت بالبواري، وناح النُّواح، ولطم الهاشميات بالحريم ليلًا بالطرف.

وعاش القائم خمسًا وسبعين سنة وثمانية أشهر وأربعة وعشرين يومًا، وقيل: أربعًا وسبعين سنة -وأقام في الخلافة أربعًا وأربعين سنة وثمانية أشهر ويومًا- وقيل: وخمسة وعشرين يومًا، وقيل: وثمانية وأربعين سنة -وكان رَبْع القامة، غليظَ المحاسن، في وجهه أثرُ جُدَريٍّ وصفار من أكل الطين.

وأُحضِرَ نورُ الدولة ابنُ مَزْيَد إلى الديوان والجنائبُ بين يديه من عند الخليفة، وأُعطيَ لواءً أبيضَ مكتوبًا عليه بسواد، وقميصًا من ثياب القائم التمسه، وامتنع من الخِلَع التي عُرِضَتْ عليه لأجل موت الخليفة، وحزن عليه حزنًا شديدًا، وسار من يومه إلى بلده، وإنما استُدعي إلى بغداد خوفًا من فتنة؛ فإنَّ العيَّارين واللصوص كانوا قد استدانوا على موت القائم لينهبوا دار الخلافة ودُور الناس، فاحترز الوزير فخرُ الدولة، وأقام الغلمان على أبواب دار الخليفة وعلى الدروب، وكانت النفوس خائفةً وَجِلةً، فكان من قضاء الله تعالى من السكون والهيبة ما لم يكن في الحساب، وكأنَّه لم يَمُتْ سلطان، ولا فُقِدَ صاحبُ العصر والزمان، ﵀.

عبد الرحمن بن محمد (٢)

ابن المُظفَّر بن محمد بن داود، أبو الحسن بن أبي طلحة، الداودي، الحافظ، وُلدَ سنة أربع وسبعين وثلاثة مئة، وسمع الحديث، وقرأ الفقه، ودرَّس، وأفتى ووعظ،


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) المنتظم ١٦/ ١٦٨ - ١٦٩.