فإن قيل: فانتقال الخليل من حجّة إلى أخرى مؤذن بالعجز، فالجواب: إنه ما انتقل عجزًا، وقد كان له أن يقول لنمرود: فأحيي من أَمتَّ إن كنت صادقًا، وهذا له نظير في العالم، أمَّا إتيان الشمس من المغرب فليس له نظير في العالم؛ لأنه لا يقدر عليه إلَّا الله تعالى، حتى لو قال نمرود: أنا أفعل ذلك لم يلتفت إليه، لعدم النظير، فأفحمه وبهته وقطعه وحيَّره، فعدل حينئذ نمرود إلى إحراقه بالنار.
فإن قيل: فقد قال مقاتل: لو قال نمرود: فأنا آتي بها من المشرق فقل لإلهك يأتي بها من المغرب، لكان متوجِّهًا في عناده، قلنا: لم يكن متوجهًا لما ذكرنا من عدم النظير، ولو توجّه فقد نطقت الأخبار بأن الله تعالى يأتي بها في آخر الزمان من المغرب فيكون ردًّا على نمرود.
[فصل في إلقائه في النار]
قال أرباب السِّير: لما أُفحم نمرود استشار أصحابه فيه، فكل واحد أشار بشيء، فقال رجل منهم: حرّقه بالنار، فهو أشد لعذابه. قال ابن عباس: فخسف بذلك الرجل فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة. فبنى له نمرود بنيانًا إلى سفح جبل طول جداره ستون ذراعًا، وعرضه عشرون ذراعًا، ونادى مناديه: أيّها الناس احطبوا لنار إبراهيم الذي كسر أصنامكم وعابها، فلم يتخلَّف صغير ولا كبير، فأقاموا أربعين يومًا يحتطبون، حتّى إن المرأة كانت تقول: إن ظفرت بكذا وكذا لأحتطبنَّ لنار إبراهيم.
وحكى أبو القاسم في "تاريخ دمشق" عن علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه أنه قال: كانت البغال تتناسل وكانت أسرعَ الدوابّ في نقل الحطب لنار إبراهيم، فدعا عليها فقطع الله نسلها وأعقم أرحامها. قال: وكانت الضفادع تسكن النّار، فقال: فجعلت تطفئ النار عنه، فدعا لها فأنزلها الله الماء، وكانت الأوزاغ تنفخ على النار وهو فيها، وكانت أحسنَ الدوابّ، فلعنها وأمر بقتلها (١).
وأسند أبو القاسم حديثًا عن عائشة عن النبي ﷺ قال:"لمّا ألقي إبراهيم في النّار جعلت الدواب كلّها تطفئ النار عنه إلَّا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه" قال: وكان عند