للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت الرِّدافةُ في الجاهلية لبني يَربوع؛ لأنه لم يكن في العرب أكثرُ غارةً منهم على ملوك الحيرة، فصالحوهم على أن يجعلوا لهم الرِّدافةَ، ويَكفُّوا عن أهل العراق الغارة. قال جرير وهو من بني يربوع: [من الطويل]

رَبَعْنا وأَرْدَفنا الملوكَ فظَلَّلوا. . . وطابَ الأَحاليبِ الثُّمامَ المُنَزَّعا (١)

وأوّل من رَدف من بني يربوع عتَّاب بن رياح، ثم ابنه عوف بن عَتَاب، ثم ابنه يزيد ابن عوف، وذلك على عهد المنذر بن ماء السماء، وأول الرِّدافة أن المنذر بعث جيشًا إلى بني يربوع وعليه قابوس وحسان ابنا المنذر، فالتقوا بمكانٍ يقال له: طِخْفة، فاقتتلوا، فانهزم جيش المنذر، وأسروا ابنَيْه، ففداهما بألفي بعيرٍ، وأَقرَّ الرِّدافة فيهم، وفي هذا اليوم يقول جرير: [من الطويل]

ويومَ أتى قابوسُ لم نُعطِه المنى. . . ولكنْ صَدَعْنا البَيْض حتى تَهزَّما (٢)

ولما انقضى مُلك الحيرة، وجاء الإسلام، ذهبت الرِّدافة.

[فصل في ذكر ملوك اليمن]

وأصلُ اليمن قَحطان بن الهَمَيْسَع بن نَبْت بن إسماعيل .

وقيل: قحطان هو يَقطن بن عابر بن شالخ بن أَرْفَخْشَذ بن سام بن نوح ، وإنما عُرّب يَقطن فقالوا: قحطان.

وكان لقحطان ثلاثون ولدًا ذكورًا، وأمّ الجميع حيّ بنت روق بن فزارة بن سام بن نوح ، منهم كَهْلان وحِمْير، وكانوا يسكنون التَّهائم والأنجاد، وبلاد حَضْرموت، والشِّحْر، والأحقاف، وعُمان وما والاها.

فوُلد لقَحطان يَعْرُب، ووُلد ليَعْرُب يَشْجُب، ووُلد ليَشْجُب ولدان، [أحدهما] عَبْد شَمسٍ، وهو سبأ، وسبأ لقبٌ له لأنه أوّل من سَبى السَّبايا من ولد قَحطان (٣).


(١) نقائض جرير والفرزدق ص ٨٣٦، والمعارف، وصحاح الجوهري، والوِطاب جمع وَطْب، وهو وعاء اللبن، والأحاليب ما زاد على السقاء من اللبن إذا جاء به الراعي حين يورد إبله، والثمام: نبت يُنتزع من أصله، وتُبرَّدُ به أوطاب اللبن.
(٢) "المعارف" ٦٥١، و"نقائض جرير والفرزدق" ص ٦٦ وفيه: أبي قابوس، وكلاهما صحيح.
(٣) مروج الذهب ٣/ ١٤٤ وما بين معكوفين منه.