للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وفيها توفي]

[محمد بن داود]

ابن عليِّ بن خَلَفٍ، أبو بكر، الأصبهانيُّ، الظاهريُّ، صاحبُ كتاب "الزَّهْرة".

كان [على مذهب أبيه داود]، فصيحًا، عالمًا، أديبًا، فقيهًا، شاعرًا، ذا فنون، وكان يُلَقَّب بعصفور الشَّوْك؛ لنحافته وصُفْرة لونه.

قال [الخطيب (١) بإسناده عن] رُوَيم بن محمد [قال:] كنَّا عند داود بن علي [الأصبهاني]، إذ دخل عليه محمد ابنُه وهو يبكي، فضمَّه إليه وقال: ما يُبكيك؟ قال: الصبيانُ يلقِّبوني بعصفور الشَّوك، فضحك داود، فقال له ابنُه: أنت أشدُّ عليَّ من الصِّبيان، فقال داود: لا إله إلَّا الله، ما الألقاب إلَّا من السماء، ما أنت إلَّا عصفورُ الشوك.

[وروى الخطيب أيضًا بإسناده عن] أبي الحسن الداودي [قال:] لَمَّا جلس (٢) محمد بن داود بعد وفاة أبيه في حلقته استصغروه عن ذلك، فدسُّوا إليه رجلًا وقالوا: سَلْه عن حدِّ السُّكْر ما هو، فسأله الرجل وقال: متى يكون الإنسان سَكرانًا؟ فقال محمد على البديه: إذا عَزَبتْ عنه الهمومُ، وباح بسرِّه المَكْتوم، [وفي رواية: حدُّ السُّكْر أن ترتفع الهموم ويُباح بالمكتوم] فاستحسَنُوا ذلك منه، وعلموا موضعَه من العلم.

وقال محمد: ما انْفَكَكْتُ من هوًى قطُّ منذ دخلتُ الكُتَّاب، وبدأتُ بعمل كتاب "الزَّهْرة" وأنا في الكُتَّاب، ونظر أبي في أكثره.

ودخل محمد يومًا على ثعلب النَّحْويّ، فقال له ثعلب: اذكر لي شيئًا من صَبْوَتك، فقال: [من الطويل]

سقى اللهُ أيَّامًا لنا ولياليًا … لهنَّ بأكنافِ الشبابِ مَلاعِبُ

إذ العيشُ غَضٌّ والزَّمانُ بغرَّةٍ … وشاهدُ أوقات (٣) المحبِّين غائبُ

فبكى ثعلب.


(١) في تاريخه ٣/ ١٥٨ - ١٥٩. وما بين معكوفين من (ف) و (م ١).
(٢) في (خ): وقال أبو الحسن الداودي لما جلس، والمثبت وما بين معكوفين من (ف) و (م ١). وكلام الخطيب في تاريخه ٣/ ١٥٩.
(٣) في تاريخ بغداد ٣/ ١٦٠، والمنتظم ١٣/ ٩٩: آفات.