عشرة سنة، منها بعد موت عمَّه طُغْرُلبَك إحدى عشرة سنة، ولم يقدم بغداد، وجلس الوزير فخر الدولة ابن جَهير للعزاء في صحن السلام يوم الأحد ثامن جمادى الأولى، وخرج في يوم الثلاثاء الثالث توقيعُ الخليفة يتضمَّن الجزع على ألب أرسلان، ويشكره على خدمتِه وسعيِه في مصالح المسلمين، وجهادِه في سبيل الله، وكسرِه الروم، وأمنِه الطرقات، وضبطِه العساكر، وعدَّد أفعاله الجميلة، وغُلِّقت أسواق بغداد، وأقامت خاتون العزاء في دار الخليفة، وجزَّت شعورَ جواريها وأرادت حينئذ جزَّ شعورِها، فمنعها الخليفة، وجلست على التراب، ثم أقامها الخليفة من العزاء بعد سبعة أيام.
محمد بن علي (١)
ابن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله، أبو الحسين، الهاشمي، ويعرف بابن الغَريق، ولد يوم الثلاثاء غرة ذي القعدة سنة سبعين وثلاث مئة، وسمع الحديث، وقرأ القرآن، وكان حسنَ الصوت به، وخطب الناس، وله من العمر ست عشرة سنة، وولي القضاء سنة تسع وأربع مئة، وأقام يخطب بجامعي المنصور والمهتدي ستًّا وسبعين سنة، وشهد ستين سنة وقضى ستًّا وخمسين سنة، وتُوفي يوم الأربعاء سلخ ذي القعدة، ودُفِنَ يوم الخميس غرَّة ذي الحجة عند جامع المنصور ناحية القبة الخضراء، وقد جاوز التسعين، وشهده خلق عظيم.
وقال أبو بكر ابن الحاضنة: رأيتُ في المنام كأنَّ القيامة قد قامت، وقد أُدخلتُ الجنَّة، وإذا ببغلة مُسرجةٍ ملجمةٍ في يد غلام، فقلت: لمن هذه؟ قال: للشريف أبي الحسين بن الغريق. فلمَّا أصبحنا، وإذا به قد مات في تلك الليلة.
ورؤي الشريف في المنام فقيل له: ما فعلَ اللهُ بك؟ فقال: غفر لي بطول تهجُّدي. وكان ثقةً، صالحًا، صائمًا، قائمًا، عابدًا، مجتهدًا، خاشعًا، كثيرَ البكاء عند الذِّكر، رقيقَ القلب، عزيزَ العقل والفضل، زاهدًا، وكان يُسمى زاهد بني هاشم، ورحل الناس إليه لعلوِّ إسناده، فكانوا يقصدونه من البلاد، وكان قد أصابه صممٌ في آخر عمره، فكان هو يقرأ على الناس، وذهبت إحدى عينيه ﵀.
(١) تاريخ بغداد ٣/ ١٠٨ - ١٠٩، والمنتظم ١٦/ ١٥٢ - ١٥٣. وينظر السير ١٨/ ٢٤١.