للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة الثانية والعشرون وثلاث مئة]

فيها ظَهرَت الدَّيلَم؛ وذلك لأنَّ أصحاب مرداويج دخلوا أصبهان، وكان علي بن بُوَيْه من جُملة قُوَّاد مَرداويج، فاقتطع مالًا جليلًا، وانفرد عن مرداويج، والتقى ابن ياقوت فهزمه، واستولى على فارس وأعمالها.

وكان بُوَيه فقيرًا جدًّا لا يُؤبَه له، فرأى في المنام كأنَّه بال فخرج من ذَكَره عمود من نار، ثم تَشعَّب يَمْنةً وَشرة وأمامًا وخَلْفًا، حتى ملأ الدنيا وألهب، فقصَّ رؤياه على مُعَبِّر فقال: ما أُعَبِّرها إلا بألف درهم، فقال: والله ما رأيتُها قطُّ ولا عشرها، وإنَّما أنا صَيَّاد أصيد السمك، ثم مضى وصاد سمكةً فأعطاه إيَّاها ووَعَده بخير، فقال له المُعَبِّر: ألك أولاد؟ قال: نعم. قال: أبْشِر فإنَّهم يَملكون الدنيا، ويَبلُغ سُلطانهم فيها على قَدْر ما احتوت النار التي رأيتَها، فقال له: ويحَك أنا ومُلْك الدنيا من أين؟! لقد أخذتَ السَّمكةَ حَرامًا، وكان معه أولادُه الثلاثة: علي والحسن وأحمد، فعليٌّ أول ما بقل عارِضُه (١)، والحسن دونه، وأحمد دونه.

ثم مضت السَّنوات، ونَسي بويه المنام، وخرج بولده إلى خُراسان، وكان أحمد يحتطبُ على رأسه، وصار عليٌّ من قُوَّاد مرداويج بن زيار، فأرسله إلى الكَرَج يَستخرج له مالًا، فاستخرج خمسَ مئة ألف درهم، ثم استوحش من مرداويج فأخذ المال وأتى هَمَذان، فغَلَّق أهلُها الأبواب في وجهه، فقاتلهم، ففتحها عَنوةً، وقتل منهم خلقًا كثيرًا، ثم صار إلى أصْبَهان وبها المظفَّر بن ياقوت، فلم يُحاربه، وخرج منها إلى أبيه بشِيراز، ثم صار علي إلى أَرَّجان فاستخرج منها مالًا عظيمًا، ثم تنقل إلى البلاد، وانضَمَّ إليه خلقٌ كثير، وصار معه خمسُ مئة ألف دينار، فجاء إلى شيراز وبها ياقوت، فخرج إليه في بِضْعَةَ عشر ألفًا من الفُرسان والرَّجَّالة، وكان علي في ألف رجل، فهابَه علي هَيبةً شديدةً، وسأله أن يُفْرِجَ له عن الطريق لينصرفَ حيث شاء، فأبى ياقوت وطَمِع في ماله، فسار علي بين يديه إلى البَيضاء عن إصْطَخْر يومين، والتقَوا، فظهر


(١) أول ما نبت شعر خدّه.