ولا طَلَبني أحدٌ إلا فُتُّه، فقال: لو تعلم لمن نُريدُه؟ قلت: لمن؟ قال: لأمِّك، قلت: إني تركتُ أمّي قاعدةً في بيتي ما تُريد بَراحًا، قال: إنما نُريده لأم المؤمنين عائشة، فقلت: خُذه بغير ثَمَن، فقال: لا، ولكن ارجع معنا إلى الرَّحْل، فرجعتُ فأعطَوني ناقةً مهريّة، وزادوني ست مئة درهم أو أربع مئة، ثم قالوا لي: يا أخا عُرَينة، هل لك دلالة بالطريق؟ قلت: نعم، أنا أدَلُّ الناس، قالوا: فسِرْ معنا، فسرتُ بين أيديهم، فلا أمرُّ على ماءٍ ولا وادٍ إلا سألوني عنه.
حديث الحَوْأب
قال العُرَني: فسرنا حتى طرَقْنا ماءَ الحَوْأب، فنبَحتنا كلابُه، فقالوا: أيُّ ماءٍ هذا؟ قلت: ماء الحَوْأب، قال: فصرخت عائشة بأعلى صوتها، وضربت عَضُدَ بعيرها فأناختْه وقالت: والله أنا صاحبةُ الحَوْأب طروقًا، ردُّوني ردُّوني -تقول ذلك ثلاثًا- وأناخوا حولها، وهم على ذلك وهي تأبى المسير، حتى إذا كانت الساعة التي أناخت فيها من الغد فَجاءها عبد الله بنُ الزبير فقال: النَّجاء النَّجاء، فقد أدرككم علي بن أبي طالب.
قال: فرحلوا وشتموني وانصرفتُ، فما سرتُ إلا قليلا وإذا بأمير المؤمنين علي ومعه ركْبٌ نحو ثلاث مئة، فلما رآني قال: عليَّ بالرّاكب، فأتيتُه فقال: أين لقيتَ الظَّعينة؟ قلت: في مكان كذا وكذا، وهذه ناقتُها، وبعتُهم جملي، قال: وركبتْه؟ قلت: نعم، وأعطوني ستَّ مئة درهم، ووصلنا الحَوْأب، ونبحتْها كلابُه وقالت كذا وكذا، فقال علي: هل لك دلالة بذي قار؟ قلت: نعم.
فسرتُ معهم إلى ذي قار، فلما جئناها نزل، وقام خطيبًا على رَحْلِ جَمَل، فخطب وقال: قد رأيتُم ما صنع هؤلاء القوم وهذه المرأة، فقام إليه الحسن بن علي فبكى، فقال له علي: قد جئتَ تَخنُّ خنينَ الجارية، وذكر بمعنى ما تقدم.
وقال علي: يا بُنيّ، قُبض رسول الله ﷺ، وما أعلم أحدًا أحقَّ بهذا الأمر منّي، فبايع الناس أبا بكر، فبايعتُ كما بايعوا، ثم هلك وبايعوا لعمر، فبايعتُ كما بايعوا، وما رأيت أحدًا أحقّ بهذا الأمر مني، فجُعِلْتُ سهمًا من سمتة أسهم، فبايع الناس لعثمان، فبايعتُ كما بايعوا، ثم سار الناس إلى عثمان فقتلوه، ثم أتَوني طائِعين غير