للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة الثانية والتسعون وثلاث مئة]

فيها هرب أعيانُ أهل بغداد إلى البَطيحَة والكوفة وغيرهما؛ من كثرة المصادرات والعملات، وكبَسَ العَيَّارونَ الدور، وأخذوا الأموال.

وفيها قُبِضَ على الموفَّق أبي علي بن محمد بن إسماعيل وزير بهاء الدولة، وكان قد قَبَضَ عليه أولًا بما ذكرنا، وأصعده إلى القلعة، وسلَّمه إلى أبي العباس أحمد بن الحسين الفراش، وكانت فيه غِلظةٌ وفظاظةٌ، وكان قد عرف سوء رأي بهاء الدولة في أبي علي، فاعتقله في حجرة لطيفة، وتركه في وسط الشتاء وشدة البرد بقميص واحد، وعلى كتفه كساءٌ طبري، فأشفى على التلف، وتمنَّى الموت على ما يُقاسيه، فاستمال الموكلين به، وخدعهم ومنَّاهم، وأرغبهم بالأموال فأجابوه، وعملوا له زنبيلًا، ودلَّوه بحبلٍ، وسار وقد أعدُّوا له خيلًا، فأصبح ببلاد سابور، فقيل له: اقصِن بدر بن حسنويه، وإلَّا ما لَك طاقةٌ ببهاء الدولة [فأقام على لجاجهِ وقال: أكاتبُ بهاء الدولة وأستصلِحُه. فقيل له، فلم يُصْغِ، وكاتب بهاء الدولة] (١)، وقال: ما خرجتُ عن طاعتِكَ، وإنَّما خِفتُ على نفسي التلف، وما أريد إلا أن أكون آمنًا على نفسي لا غير. فأجابه، وحلف له بالأيمان المُغلَّظة على ذلك، وقاد الناسُ إلى الموفق الخيلَ والبغال، وحملوا الثياب والأموال، فعادت نعمتُه إلى ما كانت عليه، فأشير عليه بأن يحمل الجميع إلى بهاء الدولة، ويطلب أن يكون منقطعًا في داره ببغداد أو في بعض المشاهد، فما التفتَ، وأصرَّ على المخالفة، ودخل شيراز، فنزل دارًا أُعِدَّت له، وفَتَحَ بابَه، وأقام الحُجَّاب والطرَّادين، وجلس في الدَّست، ودخل عليه الناسُ كما كان وزيرًا، فخاف أصحابُ بهاءِ الدولة، وقالوا: إنَّه يُكاتب أعداءك، وشمعى في خراب دولتك. فأخذه وأصعده إلى القلعة، ووكل به أبا نصر منصور بن طاس، فأحسن إليه، وخدمه ووسَّع عليه، وقال: أنا خادمك، ونفسي ومالي لك، وأُريد منك أن لا تخجلني عند صاحبي. فحلف له على ذلك، وأقام، فجاءه رجل يقال له: الشكري بن حسان، فقال: قد علمتَ فسادَ رأيِ بهاء الدولة فيك، وأنا آخُذُكَ وأذهبُ إلى الري، وتحصل


(١) ما بين حاصرتين زيادة من (ب).