للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خرابًا، والخرابُ عامرًا، وسَمَّى العالم في ابتداء كل ثمانية وسبعين (١) سنة: هازروان، وأَن العالم متى قطع هذه المدةَ عاد الكونُ والنَّسل. على حسب ما ذكرنا في الباب الماضي (٢)، وله في هذا كلامٌ طويلٌ، فانقادت له الهند وأطاعتْه.

وكان قد بنى بيتًا من ذَهَب يُجالس فيه الحكماءَ، فجمعهم يومًا وقال لهم: تعالَوْا ننظر في أمر هذا العالَم والسِّرِّ في إيجاده، وهل له غاية، وما وَجْهُ إعدامِنا بعد إيجادنا؟ فقال حكيم منهم: الواجبُ علينا أولًا أن نبتدئ بمعرفة نفوسِنا، التي هي أقربُ الأشياء إلينا منافعَ نعدُّها، فكيف بالمُبدِئ الأوّل؟ وقال آخر: لو تناهَتْ حكمةُ الخالق في أحد العقُول، كان نقصًا في الحكمة، ولكان الغرضُ غيرَ مُدرك، لأن البارئ تعالى لا بدايةَ له ولا نهاية. فقال البرهمن (٣): ما أدري ما تقولون، غير أنا خرجنا إلى الدنيا مُضطرِّين، وعِشْنا فيها حائرين، ونخرجُ منها مُكرَهين، فأقَرُّوا له بالفضل.

وأقام فيهم البرهمن ثلاثَ مئةٍ وستًّا وستين سنةً، ثم مات، وجَزِعت الهندُ عليه.

وكان قد أوصى إلى ولده واسمُه: الباهبوذ.

[فصل]

فأقام فيهم على منهاج أبيه، وزاد في بناءِ الهياكل، وضاعف الإحسانَ إلى العلماء والحكماء، وزاد على أبيه بأن وَضَع أشياءَ منها: النَّرْدُ، وجُعِلت مثالًا للمكاسب، وأنها لا تُنالُ بالحِيل، وأن الرزق لا يَحصُل في هذه الدُّنيا بالحِذْقِ والاحتيال، بل بالأقدار، ورتَّب اثني عشرَ بيتًا بعدد الشُّهور، وجعل كِلابَه ثلاثين كلبًا بعدد أيام الشَّهر، وجعل الفُصوصَ مثالًا للقَدَرِ (٤) وتقلُّبِه بأهل الدُّنيا، وأن الإنسان يُلْعبُ به، فيبلُغ بإسعادِ القَدر إياه ما يريد، وأن الحازمَ الفَطِنَ لا يَنتفع بحَزْمِه إذا لم يُساعده القَدرُ.

ويقال: إن أَرْدَشير بن بابك أولُ مَن وضَع النرد، وليس كذلك، وإنما وضعَه


(١) في مروج الذهب ١/ ١٥١: في كل سبعين ألف سنة.
(٢) انظر فصل البروج والشمس.
(٣) في مروج الذهب ١/ ١٥٦ أن الذي قال ذلك سابع الحكماء.
(٤) في مروج الذهب ١/ ١٥٨: ورأى تقلب الدنيا بأهلها وجعل بيوتها اثني عشر. . . وجعل كلابها ثلاثين كلبًا. . . وجعل الفصين مثالًا للقدر.