فيها في يوم الاثنين عاشر المُحرَّم ورد سعد الدولة الكوهراني من أصفهان، وضرب على بابه بباب الطاق الطبل في أوقات الصلوات الثلاث؛ الفجر والمغرب والعشاء الآخرة، فأُنكر عليه، فقال: معي توقيع السلطان بذلك. وحضر باب الفردوس، وأخرج كتابًا معه من السلطان إلى الخليفة، فقال: لا أجتمع مع الوزير فخر الدولة وقد أُمرتُ بذلك. وظهرَتْ لوائحُ الشكوى من الوزير وكراهيته، وكان في الكتاب رسالةٌ لا يسمعها الوزير، فلم يُجِبْه الخليفةُ، وتردَّد إلى باب الفردوس أيامًا، وجرى منه من سوء الأدب وخرق الهيبة ورفع الحشمة ما لا يُذكر، ثم مضى إلى دار المملكة، وجمعَ القضاةَ والشهود، وقال: اشهدوا أني سألتُ الوصول إلى الخليفة لأؤدِّي رسالةً حمَّلني إيَّاها السلطان فمُنِعتُ، وأُريد خطوطكم بهذا لأعودَ إلى السلطان وأُعرِّفَه، فيزولَ العيبُ عني. فأشاروا عليه بالتوقف والمعاودة، ووقع الخوض في ذلك إلى أن أُجيب إلى الوصول، فجلس الخليفةُ يوم الثلاثاء ثاني صفر والوزير حاضرٌ، فلمَّا حضر سعد الدولة دفع رقعةً كانت معه إلى بعض الخدم، فناولها الخليفة من وراء الشباك الحديد، فقرأها وتقدَّم بإسبال الستارة بينه وبين الجماعة وانصرفوا، وكانت مشتملةً على كراهية الوزير، والمطالبة بصرفه، وأن لا يُنفذ إلى بغداد رسولٌ من خراسان من دار الخلافة، وأن لا يكون فيها غلمان أتراك للخاصِّ ولا للخدم والأتباع، ثم أنفذ الكوهراني أصحابه إلى باب الفردوس للمطالبة بعزل الوزير، فامتنع الخليفة، وقيل في الجواب: إن فخر الدولة ما هو وزيرنا (١) وإنما الوزير ولده، وقد أنفذناه إليكم، ووالده نائبٌ عنه. ثم أنفذ سعدُ الدولة إلى رجلٍ مُعيَّن يُقال له: أبو الحسن بن دُبَّه، وكان يسكن بحريم دار الخلافة، وهو الَّذي تولَّى حريق مشهد موسى بن جعفر ﵄، فقُبِضَ عليه، فثار الناسُ مع ابن دُبَّه، فقال الكوهراني لأصحابه: أحرقوا حريم دار الخلافة وانهبوه، واقتلوا مَنْ فيه. ثم صلب ابن دُبَّه في السماكين قريبًا من الكَرْخ.