للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي يوم الاثنين النصف من صفر جاء الكوهراني وهو سكران إلى باب الفردوس، وقال: إن سُلِّم الوزيرُ إليَّ وإلَّا دخلتُ وأخذتُه، وإن كلَّمني إنسان قتلتُه. وجاء الليل، وغُلِّقت الأبواب، وأقام على حاله إلى أن مضت قطعةٌ من الليل، ثم وعد بما يريد، وعاد من الغد، وشدَّ خيله على باب الفردوس وبات هناك، وجاء الظهر والعصر والمغرب، فضُربت الطبولُ على باب الفردوس، وخاف الناسُ، ونقلوا أموالهم، فخاف الوزيرُ على الخليفة، فكتب إليه يستعفي، ومضى إلى داره، وبرز توقيع إلى الكوهراني، معناه: لمَّا علم محمد بن محمد بن جَهير ما عليه جلالُ الدولة ونظامُ الملك من المطالبة بصرفه سأل الإذن في ملازمة داره، فأذِنَّا له في ذلك، فقام الكوهراني ومضى.

وأما عميد الدولة فإنه وصل إلى أصفهان في يوم الاثنين عاشر مُحرَّم، فوجد نظام الملك على تغيُّرٍ شديد، فأظلمتِ الحالُ، وكان عميد الدولة جلدًا حاذقًا، فما زال حتَّى أصلح الحال، واستَلَّ ما في نفس نظام الملك، فكتب الكوهراني كتابين أحدهما عن السلطان، والثاني عنه يقول: أُنهي إلينا ما فعلتَ وعبتَ عليه. فأُحضِرَ إلى باب الفردوس، وسلَّم إليه الكتابين، وعوتب فقال: ما فعلتُ إلَّا بعضَ ما أمرتني به، وإنَّني ماضٍ إلى هناك، فإني قد استُدعيتُ، وسأوقَفُ على ذلك بحضرة عميد الدولة. ثم خلع السلطان على عميد الدولة الخِلَع الجميلة، وخرج الحُجَّاب والأمراءُ يمشون بين يديه، وفي جملتهم الكوهراني، وبعث نظامُ الملك لفخر الدولة فرسين بعدَّتهما وعشرين قطعةً ثيابًا؛ إظهارًا لرجوع مودَّته، وكتب معه تواقيع بما يريد الخليفة، ووصل في جمادى الأولى إلى الحلبة، وبلغَ الخليفةَ عنه ما أوحشه، فبعث إليه ورقةً بخطِّه: لكلِّ أجلٍ كتاب، وقد أعدناك إلى والدتك لِما سلفَ من خدمتك، والله يُحدِثُ في كلِّ يوم أمرًا، لا مُعَقِّبَ لِحُكمه، ولا مراجعةَ لك بعد اليوم إلى خدمتنا. فانكفأ مُصاحبًا، فمضى إلى دار ابنه بباب عمورية وكان قد خرج الناسُ لاستقباله فرحين، فعادوا متفرِّقين. ثم رتب الخليفة في الديوان أبا شجاع محمد بن الحسين نائبًا (١).


(١) الخبر بطوله وبمعناه في المنتظم ١٦/ ١٩٨ - ١٩٩.