وفي هذا الشهر عاد تُتُش أخو ملك شاه من حصار حلب، وعبر الفرات، ونزل بالبارعية، وكان من العقلاء الساسة، وكان مقيمًا ببلاد حِيرة وبَرْذَعة، فلمَّا جرى على أتْسِز بن أوفى الخُوارَزمي بمصر ما جرى كتب ملك شاه إلى تُتُش بالمسير إلى الشام، فسار على تؤدة، فلمَّا انتهى إلى ديار بكر بلغه أن أتْسِز لم يهلك، وأنه قد أخرب الشام وقتل أهله لعصيانهم عليه، فكتب إلى السلطان بخبره، وطلب منه عسكرًا، فإنه كان في قلَّةٍ من العساكر، وعرف أتْسِز، فبعث إلى السطان هدايا ومالًا وقال: ما فعلتُ فعلًا يقتضي إنفاذَ الأمير تُتُش نحوي، فإنني العبد الطائع، وأنا نائب في هذه البلاد عن السلطان، ما آخذُ منها غير ما أصرفه في مؤنتي والجند الذين معي، وأنا أحمل في كل سنة إلى الخزانة ثلاثين ألف دينار. فكتب السلطان إلى تُتُش أن لا يتعرَّض إلى الشام الأعلى، ويقصد ناحية حلب، وبعث إليه الأمير الأفشين وصُرَّق الحاجب بمن معهما من التركمان، وكان الحاجب أيتكين قد انضمَّ إليه إلى تُتُش من ديار بكر، ثم عبروا الفرات، وبدؤوا بمنبج، فحصروها وأخذوها، وأقاموا عليها شهورًا، وكان صاحبها سابق بن محمود، وجاءهم مسلم بن قريش نجدةً، واستدعى السلطان الحاجب أيتكين إليه بسؤال مسلم؛ لأنه كان عدوَّه، وتحالفت بنو كلاب على قتال الغُزِّ ودفعِهم عن البلاد، وكان مع مسلم غِلالٌ كثيرةٌ له ولأصحابه، وكان بحلب غلاء شديد، فباعهم، فعاتبه تُتُش وقال: أنتَ أتيتَ في مساعدتي عليهم أو في نفوسهم؟ ارجعْ إلى أعمالك، ما لي إليك حاجة. فعاد إلى سنجار، ولقي عليها بهاء الدولة من أمراء التركمان نجدةً لتُتُش، فخوَّفه المسيرَ من بني كلاب، فلم يلتفِتْ، وقطع الفرات، ونزل وادي بزاعة، فقصدته بنو كلاب وجماعةٌ من بني عقيل، فأوقعوا به، ونهبوه، وقتلوا معظم أصحابه، وبلغ تُتُش، فخرج من حلب يريد بني كلاب، وترك أثقاله على حلب، فخرج أهلُها، وقتلوا جماعة من أصحابه، وانصرف التركمان عنه، وعبروا الفرات، وجاء إلى بزاعة، فعبر الفرات يريد أعمال مسلم؛ لأنه اتَّهمه، فوجده قد جمع واستعدَّ، فسار إلى ديار بكر، فاجتاح أعمال نصر بن مروان، وأقام بها يُخرِّبها وينهبها، وينفق الأموال في العساكر، وكتب تُتُش إلى ملك شاه يعرِّفه الأحوال، ويطلب نجدته.