للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي شوال ورد خطلج أدراز من باب السلطان، مضى إليه وطلب مالًا ينفقه في طريق الحج، فلم يُعْطِه شيئًا، فعاد وقد اجتمع ببغداد جماعةٌ ليمضوا في صحبته، فامتنع مَنْ لم يكن معه ما يبلغه، ونَجَمَ (١) من أعطى أجرة الجمال ومال الخفارة، وأخذوا من الخُفراء الرهائن، وأعطاهم من الحاجِّ ما قرَّره لهم، وسار معهم كالمودِّع، ونَجَمَ وعاد سالمًا إلى الكوفة مستهلَّ ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين، وكانت العرب قد ذلَّتْ له وأطاعتْه لشهامته، ونفى بني خفاجة عن البلاد، ووحَّد الخطبة بمكة لصاحب مصر، وكان القحط شديدًا وليس لهم مؤونة إلَّا من مصر، فاجتمع بابن أبي هاشم، وكان مائلًا إلى بني العباس وأهله آل أبي طالب، فاعتذر إليه وأنه لم يقدِرْ على المنع مع انقطاع ما كان يحمل إليه من المال كلَّ سنة، وإدرار المال والغِلال من مصر، فقال خطلج: المال يأتيك عن قريب. ووحَّد الخطبة بالمدينة لصاحب مصر، وكان خطلج قد أساء عُشرة الحاجِّ وعاقهم، وأخذ من كلِّ حملٍ عن الخفارة تسعين دينارًا، ومن كلِّ راجل خمسةَ دنانير، ومن كلِّ واحد عن زيارة قبر رسول الله ستة دنانير.

وفي ذي القعدة وقع الرضا عن عميد الدولة ابنِ جَهير وعودِه إلى الخدمة، وسببه كتاب نظام الملك إلى الخليفة يشير بردِّه، وأنَّ أحدًا لا يقوم مقامه، وإنني ما رضيتُ عنه، وزوَّجتُه بولدي، ورميتُ كلَّ عداوة كانت من جهتي، وصافيتُه، إلَّا لقُربه من الخدمة، وكان نظامُ الملك دائمًا يثني على عميد الدولة؛ يقول: ما أحسِدُ أحدًا إلَّا فخر الدولة على ولده. ويصفه بالعقل والحلم، وانقطع أبو شجاع عن الديوان، ورتَّب على باب الحجرة مجلسًا كلَّ يوم ينهي الأمورَ إلى الخليفة، ويخرج إليه الأجوبة، ثم أذن للوزير فخر الدولة فَتْحَ بابهِ، ففتح، ودخل الناس عليه للتهنئة، حتَّى النساء، ثم استدعى الخليفةُ ولدَه فشافهه بما طيَّب به نفسَه، وكتب له توقيعًا منه: إنَّ أمير المؤمنين يرى من أخبار رسوم مواهبه وآلائه، وأحلى مذاق النعمة عند المتمسكين بشروط مسابغته، وولاية واختصاص مَنْ أحسن الطاعة في إثر يومه وأمسه، وتخشَّن على أعداء الدولة وَقْعَ مسِّه ولمسه، ولمَّا عدوتَ يا عميد الدولة منفردًا في الكمال بما عُلِمَ كونُكَ ممَّن لا يُجارى فيه، ولا يُبارى في إحراز وافيه، وأنك قد حُزْت هذه المرتبة، فُقْتَ


(١) نَجَمَ: طَلَع وظَهرَ. اللسان (نجم).