السبق، وقُمتَ فيها بالحق، أعاد أمير المؤمنين من وزارتك ما كان قد تجاوز في الإعراض حدَّه، مما لا يستطيع الجاحدُ جحدَه، وذكر كلامًا آخر.
وفيها مات أبو الفضل بن التركماني، صاحب سعد الدولة الكوهراني، وكان شِرِّيرًا، إلا أنَّه انحدر إلى واسط مع سعد الدولة، وكان ابنُ فضلان اليهودي ضامنُ ضياع الخليفة قد فعل بالمسلمين كلَّ قبيح، وصادرهم، ومدَّ يده إلى حريمهم، وكان إذا كتب فيه إلى الخليفة لا يُؤخذ لأحدٍ بيد، فقتله ابنُ التركماني بواسط، وأخذ منه عشرة آلاف دينار، وعزَّ ذلك على الخليفة، وكتب إلى نظام الملك بسببه، ولمَّا مات ابنُ التركماني رآه إنسان في المنام، فقال: ما فعلَ اللهُ بك؟ فقال: غفرَ لي. قيل: بماذا؟ قال: بما أزَلْتُ عن المسلمين بقتل ابن فضلان اليهودي من النصرة، وعن الخلافة من المعرة، وابنُ التركماني هو الَّذي قتل ابنَ دُبَّة النوبي الَّذي أحرق المشهد، وصلبه بالسماكين.
وقال أبو يعلى بن القلانسي: وفي سنة إحدى وسبعين خرج من مصر عسكر كبير مع نصير الدولة الجيوشي، ونزل على دمشق محاصرًا لها، واستولى على أعمالها وعلى فلسطين، فاضطرَّ أتْسِز إلى مراسلة تُتُش بعده بتسليم دمشق ويكون في الخدمة بين يديه، فتوجَّه نحوه، وبلغ نصير الدولة قُربَه، فرحل إلى الساحل، وكان ثغر صور وطرابلس في يدي قاضيهما قد تغلَّبا عليهما، ولا طاعة عليهما لأمير الجيوش، بل يصانعان الملوك بالهدايا، ووصل تُتُش إلى مرج عدرا، فخرج إليه أتْسِز بعد أن استخلفه، وسلَّم إليه دمشق، فدخلها، ولاحَتْ له من أتْسِز أماراتٌ استوحش منها، فقبض عليه واعتقله، وقتل أخاه أولًا، ثم خنقه بوتر قوسه غدرًا منه في ربيع الأول، واستقام الشام لتُتُش، ثم مضى إلى حلب فنازلها، وأقام عليها أيامًا، ثم رحل عنها، وقطع الفرات مشرقًا، ثم عاد إلى حلب في ذي الحجة، وملك حصن بزاعة والبيرة، وأحرق ربض أعزاز، ورحل عنها عائدا إلى دمشق. وغيرُ ابنِ القلانسي يقول: كان ذلك في السنة الآتية، وسنذكره إن شاء الله تعالى.