للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأصوات؛ قيل له: البكاء على قتلى صِفّين، فقال: أما إني أشهد لمن قُتل منهم صابرًا مُحتسبًا بالشهادة.

قال: وسمع رجلًا من العُثمانية يقال له عبد الرحمن بن يزيد يقول: والله ما صنع علي شيئًا، ذهب ثم عاد في غير شيء، فقال علي لأصحابه: إن قومًا فارقناهم آنفًا خيرٌ من هؤلاء، ثم أنشد علي وقال: [من الطويل]

أخوك الَّذي إنْ أجْرَضَتْك مُلِمَّة … من الدهر لم يَبرحْ لها الدهرَ واجِما

وليس أخوك بالذي إن تَشَعَّبتْ … عليك أمورٌ ظلَّ يَلْحاك لائما

ثم لم يزل يذكر الله تعإلى حتَّى دخل القصر (١).

[ذكر اعتزال الخوارج أمير المؤمنين]

روى أبو مخنف، عن أبي جَناب الكلبي، عن عمارة بن ربيعة قال: خرجوا مع علي إلى صفين وهم مُتوادُّون أحبَّاء، فرجعوا وهم مُتباغضون أعداء، ما بَرِحوا من عسكرهم حتَّى فشا فيهم التّحكيم وهم بصفّين، ثم أقبلوا إلى الكوفة وهم يتشاتمون، ويضرب بالسِّياط بعضهم بعضًا، تقول الخوارج: يا أعداء الله، داهنتم في أمر الله، وحكّمتم الرجال في دين الله، ويقول الآخرون: خالفتم إمامَنا، وفارقتم جماعتنا.

فلما دخل علي الكوفة لم يدخلوا معه حتَّى أتوا حَرُوْراء، فنزلوا بها، وهم اثنا عشر ألفًا، ونادى منافى يهم: إن أمير القتال شَبَث بن رِبعيّ التَّميميّ، وأمير الصلاة عبد الله بن الكَوَّاء اليَشكُريّ، والأمر شورى بعد الفتح، والبيعة لله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال الجوهري: وحَرُوراء: قريةٌ على النَّهْرَوان، تُمدُّ وتُقْصَر، وتُنسب إليها الخوارج، نزلوها وقالوا: لا حكم إلا لله (٢).


(١) تاريخ الطبري ٥/ ٦٢ - ٦٣، ووقعة صفين ٥٣٠ - ٥٣٢.
(٢) في الصحاح (حرر): حروراء: اسم قرية، يمُد ويُقصر، نسبت إليها الحرورية من الخوارج، لأنه كان أول مجتمعهم بها، وتحكيمهم منها. اهـ.