وبلغ أمير المؤمنين فقال: كلمةُ حقّ أُريد بها باطل.
وذكر هشام أن الخوارج لما اعتزلت عليًّا ﵇ وحكَّموا كلَّمهم علي، فرجعوا إلى الكوفة، وهو الأصحُّ لما نذكر.
رجع الحديث إلى أبي مخنف، عن أبي جَناب، عن عُمارة قال: لما قدم أمير المؤمنين الكوفة وفارقه الخوارج؛ وثَبتْ إليه الشّيعة وقالوا: في أعناقنا لك بيعة ثانية، نحن أولياءُ من واليت، وأعداءُ من عاديت، فقالت الخوارج: استَبَقْتُم أنتم وأهل الشام كفَرَسَيْ رِهان إلى النار، بايع أهلُ الشام معاوية على ما أحبُّوا وكَرِهوا، وبايعتم أنتم عليًّا أنكم أولياءُ مَن والى، وأعداءُ من عادى، فقال لهم زياد بن النَّضْر: والله ما بسط علي يده فبايعنا قطّ إلا على كتاب الله وسنّة نبيِّه محمد ﷺ، ولكنكم لما خالفتموه جاءته شيعتُه فقالوا: نحن أولياء مَن واليت، وأعداء مَن عاديت، ونحن كذلك، وهو على الحقّ، ومن خالفه ضالٌّ مُضِلّ.
والصّحيح من الروايات أن الخوارج لما اعتزلوا عليًّا ﵇ دخلوا الكوفة، ورجعوا إليها، وبعد ذلك مَضَوا حتَّى نزلوا النَّهْرَوان، ولما بلغهم أن شيعة أمير المؤمنين قالوا: نحن أولياء مَن واليت، وأعداء مَن عاديت، راسلوهم بالكلام الَّذي ذكرناه.
وقيل: إنه بقي منهم بقية معه في الكوفة؛ طائفة يسيرة، والأول أصح.
واختلفت الرّواية هل أرسل إليهم علي رسولًا، أم خاطبهم بنفسه على قولين؛ أحدهما ذكره هشام بن محمد، عن أبيه قال: لما اعتزلوا عسكر علي ﵇، وهمُّوا بالرحيل؛ وقف عليهم علي فقال: لمَ خرجتم علينا؟ فقالوا: لأنك حكَّمت في دين الله بصفِّين، فقال لهم: نَشَدتكم الله، أما قلتُ لكم يومَ رفعوا المصاحف: لا تخالفوني فإنهم إنما رفعوها مَكيدةً وخَديعة، فردَدْتُم عليّ رأي، وقلتم نفعل بك كما فعلنا بعثمان؟! فقالوا: نحن إنما رضينا بحكم كتاب الله، لا بحكم الرجال، فقال: والله ما حَكَّمتُ مَخلوقًا، وإنما حكَّمتُ القرآن، لأن القرآن لا ينطق، وإنما هو خطٌّ مَسطور بين الدَّفَّتَين، وإنما ينطق به الرجال، وشرطت على الحكمين أن يَحكُما بحُكم