فيها في المحرَّم دخل أبو طاهر الرَّحبةَ بعد حرب جرت بينه وبين أهلها، ووضع فيها السيف، وبعث إليه أهلُ قَرْقِيسيا يطلبون الأمانَ، فأمَّنهم، وبثَّ سراياه في الأعراب، فقتلوا وسَبَوا ونَهَبُوا، وجعل على الباقين إتاوةً في كل شهر دينارًا من كل واحد، ثم دخل قَرْقيسيا ونادى: لا يظهرَنَّ أحدٌ من أهلها نهارًا، فلم يظهر أحدٌ، وقصد الرَّقة، وكان في تسع مئة فارس وثلاث مئة راجل، فدخل الرقة، وقتل من أهل الرَّبَض جماعة، ثم دفعه أهلُها، وتبعوه فنهبوا من دوابِّه وسَواده، وانصرف عنها، وبلغ مؤنسًا فسار من بغداد إلى الرقَّة، فوصلها بعد انصراف أبي طاهر الهَجَري عنها.
واجتاز الهَجَري بهيت وقد حمل معه مَتاعَ أهلِ الرحبة في الزَّواريق، وكان أهل هِيت قد نصبوا عليها المَجانيق والعَرَّادات، فحاربهم، فرَمَوه بالحجارة، فقتلوا واحدًا من أصحابه، فارتفع الصُّراخ والبكاء حتَّى ظنَّ النَّاسُ أنَّ الهجريَّ قُتل، ثم ظهر أنَّه أبو الرَّوَّاد من خواصِّ أصحابه، ثم سار، فأخذوا ما رماه أصحابُه من المتاع.
وجهَّز المقتدر نصرًا الحاجب إلى الكوفة بالعساكر في شهر رمضان، فلمَّا بلغ سُورا مرض واشتدَّت عِلَّتُه، فاستخلف أَحْمد بن كَيغَلَغ، وبعث معه بالجيش، فانصرف الهَجَريُّ قبل أن يلقاه، ومات نصر ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رمضان، وحُمل تابوتُه إلى بغداد، ودُفن يوم الفطر، وبعث المقتدر شفيعًا إلى الجيش يُخبرهم أنَّه قد استخلف عليهم هارون بن غريب، وانصرف الهَجَري إلى بلده، وعاد هارون إلى بغداد.
ولما رأى علي بن عيسى أنَّ الهجري قد استولى على البلاد استعفى من الوزارة، فكانت مدَّةُ وزارته سنة وأربعة أشهر ويومين.
وقيل: إنَّ المقتدر لم يوافقه وقال: أَنْتَ عندي بمنزلة المعتضد، ولامه مؤنس وقال: لا تفعل، فقال: أَنْتَ تمضي إلى الرقة، ولو كنتَ مُقيمًا لاستعنتُ بك، وكان نصر الحاجب مُنحرفًا عنه، فأشار بأبي علي بن مُقلَة، فاستوزره المقتدر في ربيع الأول، وخلع عليه، ولم يكن من بيت الوزارة وإنَّما ألجأت الضرورة إليه.