للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا أن يُقال: تزوَّج المغيرةُ الثقفي ابنةَ النعمان بن المنذر، وإلا فأيُّ حظٍّ لشيخٍ أعور في عجوزٍ عَمياء (١).

وسار سعد من القادسية إلى الحيرة، وبعث الرَّوَّادِين يَرتادون له منزلًا، فخرج إليه ابنُ بقيلة من الحيرة، فقال: هل لك في أرضٍ ارتفعت عن البحر، وانحدرت من الفَلاة؟ قال: نعم فأشار إلى مَوضع الكوفة، فنزلها سعدٌ وخَطَّها، وخَطَّ الناس.

فصل: وقد مدح بعضُ الناسِ الكوفةَ وذمَّها آخرون.

أما المادحون لها فقالوا: قد قال عمر بن الخطاب: بالكوفةِ وُجوه الناسِ. وقال سلمان الفارسي: هي قُبَّةُ الإِسلام. وقد نزلها خلقٌ من الصحابة والعلماء، ونزلها ثمانيةٌ من الخُلفاء: عليٌّ والحسن ومعاويةُ وعبد الملك والسفَّاحُ والمنصورُ والمهدي والرشيد. وكان بها أعيانُ العلماء كإبراهيم النَّخَعي والتيمي أبي حنيفة وابن شُبْرمة والشَعبي وربيعة وسادات الفقهاء.

وأما الذامُّون لها فقالوا: هي منشأُ الفِتَن والغَدْر والفساد، وما زالوا يَحْصِبون الولاة ويشكونهم حتى عزل عمرُ سَعْدًا، ودعا سعدٌ عليهم فأعمى اللَّهُ عينَ مَن دعا عليه، وشكوا عمار بنَ ياسر إلى عمر وكانوا ظالمين له، فعزله عنهم، وتربَّصوا على عليٍّ وقتلوه. وطعنوا الحسن في فَخِذِه، وخذلوه، ونزعوا بِساطه من تحته، وأرادوا تسليمَه إلى مُعاوية، وكاتبوا الحسين ثم خذلوه حتى قُتِل، وقَتلوا إخوتَه، وسَبَوْا أهلَه، وسلبوهم ثيابهم، وأخذوا سَراويل الحسين، وخذلوا زيد بن عليّ حتى قُتِلَ أقبحَ قِتْلةٍ، ومثَّلوا به شر مُثْلَةٍ، وكان فيهم المختارُ بن أبي عُبيد الكذابُ الذي ادّعى النبوةَ، ومنهم الخوارج: ابن مُلجَم، وابن السَّوداء، وابن الكَوَّاء وغيرهم (٢).

قالوا: وما رُوي عن عمر وسلمان محمولٌ على زمانهما، لمّا كان بها وجوهُ الصحابةِ الذين فتحوا العراقَ، وجاهدوا الكفارَ، وأما بعد ذلك فقد حدث جميع ما ذكرنا.


(١) تاريخ دمشق ٤/ ٣٥٢ (مخطوط)، وانظر المجالسة وجواهر العلم (٢٢٢٥) وتخريجها فيه.
(٢) انظر فتوح البلدان ٢٨٧، وآثار البلاد ٢٥٠ - ٢٥٥، والعقد ٦/ ٢٤٩.