للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكان بأسفلِ ثنيَّةِ غزال يَتَعرض لعِيرات قريش، فيقطعها ويقول: لا أردُّ إليكم شيئًا حتَّى تشهدوا أن لا إله إلَّا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن فعلوا ردَّ عليهم ما أخذَ منهم، وإن أَبَوْا لم يَردَّ عليهم شيئًا، فكان على ذلك حتَّى هاجر رسول الله إلى المدينة، ومضت بدرٌ وأحد، ثم قدم فأقام بالمدينة مع النَّبيِّ .

ذكر بعض مَناقب أبي ذر وأخباره -:

قال رسول الله : "ما أقَلَّت الغَبْراء، ولا أظَلَّت الخَضْراء على رَجل أَصدَقَ من أبي ذر".

وقال : "مَن سَرَّه أن يَنْظُرَ إلى تَواضُع عيسى بن مريم، فليَنْظُر إلى أبي ذَرّ" (١).

وقال رسول الله : "أيُّكم يَلقاني على الحال التي أُفارقُه عليها؟ "، فقال أبو ذر: أنا، فقال له رسول الله : "صَدقتَ".

قال عِراك بن مالك: قال أبو ذرّ: إنِّي لأقربُكم مَجلسًا من رسول الله يوم القيامة، وذلك أني سمعتُه يقول: "أقربُكم مني مَجلسًا يوم القيامة مَن خَرج من الدُّنيا كهَيئةِ ما تركتُه فيها"، وإنه والله ما منكم من أحدٍ إلا وقد تَشبَّثَ منها بشيءٍ غيري (٢).

وآخى رسول الله بين أبي ذرّ وبين المنذر بن عمرو، أحد بني ساعدة.

وقال أبو ذرّ: أوصاني خليلي بسبع: "أمرني أن أُحبَّ المساكين، والدّنوّ (٣) منهم، وأمرني أن أنظرَ إلى مَن هو دوني ولا انظر إلى مَن هو فَوقي، وأمرني أن لا أسألَ أحدًا شيئًا، وأمرني أن أَصِلَ الرَّحم وإن أَدبرتْ، وأمرني أن أقولَ الحقَّ وإن كان مُرًّا، وأمرني أن لا أخافَ في الله لَومةَ لائم، وأمرني أن أكْثِرَ من: لا حول ولا قوَّةَ إلَّا بالله العليِّ العظيم، فإنهن من كنزٍ تحت العرش".

ولما قدم أبو موسى الأشعري لقي أبا ذر، فجعل يَلزمُه ويقول: مَرحَبًا بأخي، وأبو ذر يَدفعُه ويقول إليك عنّي، لستُ بأخيك، إنَّما كنتُ أخاك قبل أن تُستَعْمَل.


(١) أخرجهما أحمد (٦٥١٩) و (٢١٧٢٤)، وابن سعد ٤/ ٢١٤، والترمذي (٣٨٠١) و (٣٨٠٢)، والحاكم ٣/ ٣٤٢ عن عدد من الصّحابة، وانظر سير أعلام النبلاء ٢/ ٥٩.
(٢) أخرجهما ابن سعد ٤/ ٢١٤ - ٢١٥.
(٣) كذا، والذي في المسند (٢١٤١٥)، وطبقات ابن سعد ٤/ ٢١٥: أمرني بحب المساكين والدنو منهم.