للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم لقي أبا هريرة، فالتزمه وقال: مرحبًا بأخي، فقال له أبو ذر: هل كنتَ عملتَ لهؤلاء؟ قال: نعم، قال: هل تطاولتَ في البناء أو اتَّخذت زرعًا وماشية؟ قال: لا، قال: فأنت أخي، أنت أخي (١).

وقال أبو ذر: قال لي رسول الله : "يا أبا ذر، إنِّي أراك ضعيفًا، وإني أحبُّ لك ما أحبُّ لنفسي، لا تَأمَّرَن على اثنين، ولا تَوَلَّيَنّ على مال يتيم" (٢).

وقال عليٌّ رضوان الله عليه: لم يبق اليوم أحدٌ لا يُبالي في الله لومةَ لائم غير أبي ذر ولا نَفسي، ثم ضرب بيده على صَدره (٣).

وقال سفيان الثوري: قام أبو ذر عند الكعبة فقال: أيها الناس، أنا جُندب الغِفاري، هلمّوا إلى الأخ النّاصح الشَّفيق، فاكتَنَفه الناس فقال: أرأيتم لو أن أحدَكم أراد سفرًا، أليس يَتَّخذُ من الزَّاد ما يُصلحُه ويُبَلِّغُه؟ قالوا: بلى، قال: فسفر طريق القيامة أبعدُ ما تُريدون، فخذوا ما يُصلحكم، قالوا: وما يُصلحنا؟ قال: صوموا يومًا شديدَ الحرّ لحرِّ يوم النُّشور، وصَلُّوا ركعتين في ظلام الليل لوَحْشَةِ القبور، وحُجُّوا حجَّةً لعَظائم الأمور.

كلمةُ خيرٍ تَقولُها، أو كلمةُ شرٍّ تَسكُتُ عنها، ذخيرةٌ لوقوف يومٍ عظيمٍ، اجعل الدُّنيا مَجلسَين: مجلسًا في طَلب الحلال، ومَجلسًا في طلب الآخرة، والثالث يَضرُّك ولا يَنفَعُك، اجعل الدُّنيا درْهَمَين: درهم تُنفقُه على عيالك، ودِرهم تُقدِّمُه لآخرتك، الثالث يَضرُّك ولا يَنفعُك ولا تُرِدْه، ثم نادى بأعلى صوته: يا أيّها الناس، قد قَتلكم حِرصٌ لا تُدركونه أبدًا (٤).

قال عبد الله بنُ خِراش الكعبي: وجدتُ أبا ذرّ في مظلَّةِ شعر بالرَّبَذة، تحته امرأةٌ سَحْماء، فقلت له في ذلك فقال: أتزوَّجُ مَن تَضَعُني أحبّ إليَّ ممن تَرفَعُني، مازال بي


(١) طبقات ابن سعد ٤/ ٢١٦.
(٢) أخرجه أحمد (٢١٥٦٣)، وابن سعد ٤/ ٢١٧، ومسلم (١٨٢٦).
(٣) طبقات ابن سعد ٤/ ٢١٨.
(٤) حلية الأولياء ١/ ١٦٥.