للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمرُ بالمعروف، والنهيُ عن المنكر حتَّى ما ترك لي الحقُّ صديقًا (١).

وبعث إليه حَبيب بن مَسلمة وهو أمير الشام بثلاث مئة دينار، وقال: استَعِن بها على حاجتك، فقال أبو ذرّ لرسوله: ارجع بها إليه، أما وَجَد أحدًا أغرَّ بالله منا، ما لنا إلَّا ظلٌّ نتوارى به، وثَلَّةٌ من غَنَم تَروح وتغدو علينا، ومولاة لنا تصدَّقتْ علينا بخِدمَتِها، ثم إنِّي لأَتَخَوَّفُ الفَضْلَ (٢).

ودخل رجل على أبي ذر، فجعل يُقَلِّبُ بَصَرَه في بيته، فلم يَرَ فيه شيئًا، فقال: يا أبا ذرّ؛ أين مَتاعُكم؟ فقال: إن لنا بيتًا آخر، نُوجّه إليه صالِحَ متاعنا، قال: إنه لابُدَّ لك من متاع ما دُمتَ ها هنا، فقال: إن صاحبَ المنزل لا يَدَعُنا فيه.

وكان يقول: الجليسُ الصّالح خيرٌ من الوَحدة، والوَحدة خيرٌ من جَليس السُّوء، ومُمْلي الخير خيرٌ من الصَّامت، والصَّامتُ خيرٌ من مُملي الشَرّ، والأمانةُ خيرٌ من الخيانة، والخائن خيرٌ من ظنِّ السُّوء (٣).

قال أبو ذر : كنتُ أخْدُمُ رسول الله ، ثم آتي المسجدَ إذا أنا فرغتُ من عَملي، فأَضْطَجع فيه، فأتاني رسول الله يومًا وأنا مُضطجعٌ، فغَمَزني برِجله، فاستويتُ جالسًا، فقال لي: "يا أبا ذر، كيف تَصنع إذا أُخرجتَ منها؟ "، قلتُ: أنطلقُ إلى السَّعةِ والدَّعة، فأكون حَمامًا من حمام مكّة، قال: "فكيف تَصنعُ إذا أُخرجتَ من مكّة؟ "، قلت: "إلى، السَّعةِ والدَّعة، أنطلقُ إلى الأرض المقدَّسة والشام، قال: "فكيف تَصنَعُ إذا أُخرجتَ من الشام؟ قال: إذا أَضَع سيفي على عاتِقي، قال: "أَوَخيرٌ من ذلك؟ تسمعُ وتُطيعُ وإنْ كان عبدًا حَبَشيًّا" (٤).

قالت أمُّ ذرّ: لما حضرت الوفاةُ أبا ذرّ بكيتُ، فقال: ما يُبكيكِ؟ قلتُ: وما لي لا أبكي وأنتَ تموتُ بفَلاةٍ من الأرض، ولا يَدان لي بتَغييبك، وليس معنا ما يَسعُك كَفَنًا، فقال: لا تبكي وأَبشِري، فإني سمعتُ رسول الله يقول لنفَرٍ أنا فيهم:


(١) طبقات ابن سعد ٤/ ٢٢٢.
(٢) حلية الأولياء ١/ ١٦١.
(٣) الخبران في تاريخ دمشق ١٩/ ٣٧، ٣٩ (مخطوط).
(٤) مسند أحمد (٢١٥٥١).