للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: أن الإشارة إلى داود وسليمان والخصوم. والأول أصحُّ، لأن الخصوم لا حكم لهم ولا قضاء. ودلَّت الآية على أن كل مجتهد مصيب، والحق عند الله واحد، وفيه خلاف عند المعتزلة.

وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة: فعند أبي حنيفة لا ضمانَ على صاحب الغنم سواء كان ليلًا أو نهارًا إذا لم يرسلها، لأنه لا يوجد منه سبب الضمان.

وقال الشافعي وأحمد: يجب الضمان على صاحبها. واحتجَّا بما روى الزهريّ قال: دخلت ناقة للبراء بن عازب حائطًا لبعض الأنصار فأفسدته، فرفع ذلك إلى رسول الله ، فقضى على البراء بما أفسدته الناقة وتلا هذه الآية، وقال: "وعلى أصحَابِ الماشِيَةِ حِفظُ ماشِيتِهم بالليل، وعدى أصحابِ الحَوائِطِ حِفظُ حوائِطِهم بالنَّهارِ وحِفظُ زَرعِهِم" (١). والجواب من وجوه:

أحدها: أنه أرسلها ويجب الضمان بالاتفاق.

والثاني: أنه منقطع لأن الزهريّ لم يلق البراءَ بن عازب.

والثالث: لأنه يخالف الأصول، أو يُحمل [على] أنه خاص في هذه الواقعة.

[ومنها قصة الصبي]

وقال أحمد: حدَّثنا يونس بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "خَرجت امرأتَان ومعهُما صبِيَّان، فَعَدا الذِّئِبُ على أحدِهِما، فأخَذَتا تَختصِمَان في الباقي فاحتَكمَتا إلى دَاودَ، فَقضى به للكُبرَى، فمرتا على سُلَيمانَ فقالَ: كيفَ أمرُكُمَا؟ فَقصَّتا عليه القِصَّةَ فقالَ: الحكمُ غَيرُ هذا، ايتُوني بِسكيني أشقُّهُ بينهُمَا، فَقالت الصُّغرى: أتشقهُ؟ قال: نعم، قَالت: لا تفَعَل، قد وهبتُ حَظِّي مِنهُ لها". وفي رواية: إنَّ داود حكم بأن يبقى الولد عند كل واحدة سنة. وفي رواية: أنه هو ابنها فقال لها: هو ابنك، فقضى به للصغرى. متَّفق عليه. قال أبو هريرة: والله إنْ سمعتُ السكين إلا يومئذٍ، ما كنا نقول إلا المدية (٢).


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢٣٦٩١).
(٢) أخرجه أحمد (٨٢٨٠)، والبخاري (٣٤٢٧)، ومسلم (١٧٢٠).