فيها في ذي الحجَّة تحوَّل السفَّاح من الكوفة إلى الأنبار، وشرع في بناء مدينته المعروفة بالهاشمية، وسببُه أن أبا مسلم كتب إليه: إنَّ أهل الكوفة شارَكوا شيعة أمير المؤمنين في الاسم، وخالفوهم في الفعل، ورأيُهم في آل أبي طالب الذي تعلمه، يُطمعونهم في ما ليس لهم، ويغوونهم في الباطل، ثم يخذلونهم، ولا أثر بعد عين، فلا تؤهِّلهم لجوارك فليست دارُهم لك بدار. فانتقل إلى الأنبار (١).
وفيها خالف بسَّام بن إبراهيم بن بسام أبا العباس، وخرج عليه، واستمال جماعةً من قوَّاد خراسان، ونزل المدائن، فوجَّه إليه أبو العباس خازم بن خزيمة، فلقيه، واقتتلوا، فهرب بسَّام، وتبعه خازم، فمرَّ على جماعة من بني عبد المَدان أخوالِ أبي العباس بقريةٍ من قرى العراق يقال لها: دارُ المطامير وهم في مجلسٍ لهم، وكانوا نحوًا من خمسة وثلاثين منهم ومن مواليهم، فلم يُسلِّم عليهم خازم؛ لأنهم أجاروا رجلًا من أصحاب بسَّام يقال له: المغيرة، فلما رجَعَ شتموه حيث لم يُسلِّم عليهم، فقال: بالأمس تؤوون عدوَّ أمير المؤمنين، واليوم تشتموني؟! فأغلظوا له في القول، فضرب أعناقَهم، ونهب أموالهم، وعاد إلى الكوفة.
واجتمعت اليمانيةُ وأخوالُ أبي العباس إليه، وقالوا: فعل خازم بأخوالك ما لم يفعله أحدٌ، وتجرَّأ على الخلافة بقتل أهلك، فهم أبو العباس بقتله، فدخل موسى بنُ كعب وأبو الجهم عليه، وقالا: إن أهل خراسان فعلوا ما قد علمت، وإن [ابنَ] خُزَيمة من أفاضلهم، والذي فعلَه في طاعتك وإقامةِ حرمتك، وإن كان ولابدَّ من قتله فنعيذك بالله أن تتولَّى ذلك بنفسك، ابعثْه إلى بعض الوجوه التي فيها أعداؤك، فإن هلَكَ بلغتَ مرادَك، وإن ظهر كان لك.
وكان قد ظهر بجزيرة ابن كاوان وعُمان خوارج، فبعث إليهم، وكتب إلى سليمان بن علي إلى البصرة بتجهيزهم، فسار خازم في جيش من أهل خراسان ومعه أهله ومواليه إلى البصرة، وركب في السفن إلى عُمان وبها الجلندى وكان من الإباضية،