للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نقش خاتمه: كفى بالموت واعظًا يا عمر.

ذكر صلابته في دين اللَّه وشدّته: قال ابن سعد بإسناده عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه : "أشدُّ أمتي في دين اللَّه عمر بنُ الخطاب".

جاء عُيَيْنة بنُ حِصن والأقرع بنُ حابِس إلى أبي بكر رضوان اللَّه عليه، فقالا: يا خليفة رسول اللَّه، إن هاهنا أرضًا سَبِخة، ليس فيها كلأ ولا منفعة، فإن رأيتَ أن تُقطِعنا إياها ننتفع بها، فقال لمن حوله: ما تَرون؟ قالوا: لا بأس بذلك، فأقطعهما إياها، وكتب لهما بها كتابًا، وأشهد فيه مَن حضر، وقال فيه: اذهبا إلى عمر ليَشهد عليه.

فانطلقا نحو عمر رضوان اللَّه عليه، فإذا هو قائم يَهنَأ بعيرًا له، فأخبراه ودفعا إليه الكتاب، فأخذه ونظر فيه، ثم تَفل عليه فمحاه، فتذَمَّرا، فقال لهما: إن رسول اللَّه كان يَتَألّفكما على الإسلام، والإسلام يومئذٍ ضعيف، وقد أعزّ اللَّه الإسلام، فاذهبا فاجْهَدا جَهدَكما، لا رَعى اللَّه عليكما إن قصَّرْتُما.

فأقبلا إلى أبي بكر رضوان اللَّه عليه فقالا: واللَّه ما نَدري أنتَ الخليفةُ أم عمر؟ فقال: لا بل هو أرادني.

وجاء عمر رضوان اللَّه عليه في تلك الحال، فقال -وقد اشتدّ غضبه- لأبي بكر رضوان اللَّه عليه: أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتَها هذين، هي لك خاصة أم للمسلمين عامة؟ فقال: لا، بل للمسلمين عامة، فقال: ما الذي حَملك على أن تَخصَّ بها هذين؟ قال: استشرتُ مَن حولي فأشاروا عليَّ بذلك، فقال: أكُلّ المسلمين أوسعتَهم مشورةً ورِضى؟ فقال له أبو بكر رضوان اللَّه عليه: قد قلتُ لك إنك أَجلدُ على هذا الأمرِ منّي وأقوى، ولكنك غَلبتَني (١).

وحكى ابن سعد عن راشد بن سعد، أن عمر بن الخطاب أُتي بمال، فجعل يقسمه بين الناس، فازدحموا عليه، فجاء سعد بن أبي وَقّاص يُزاحم الناس، حتى خلص إليه، فعلاه بالدّرّة وقال: يا سعد، إنك أقبلتَ لا تَهابُ سُلطانَ اللَّه في الأرض،


(١) أخرجه البخاري في التاريخ الصغير ٥٦، والفسوي في المعرفة والتاريخ ٣/ ٢٩٣ - ٢٩٤، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (١٦٨٣)، وذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة ٣/ ٥٥. وهذا الخبر بطوله ليس في (ك).