للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّنة الثانيةُ والتِّسعون بعد المئة

فيها نزل هَرْثَمَةُ بن أَعيَن نيسابورَ ومعه الأموالُ والسِّلاح والخِلَع، وأَظهر أنَّه إنَّما جاء مُوِدًّا لابن ماهان، وكتب عهودَ جماعةٍ على كُوَر خراسانَ ونَسَا وسَرْخَسَ وجُرْجان وغيرِها، واستكتمهم الحال إلى يومٍ معلوم، وسار إلى مَرو، فلمَّا بقي بينه وبينها مرحلة، كتب أساميَ أولادِ علي وأهلِه وأصحابِه وخواصِّه وعمَّاله في رِقاع، ودفع إلى كلِّ رجلٍ من ثقاته رقعةً وقال: احتفظ بمَن اسمُه معك، خوفًا أن يهربوا.

فلمَّا صار على ميلَين من مروَ، تلقَّاه (١) عليُّ بن عيسى في ولده وأهلِ بيته وقوَّاده وخواصّه، فلمَّا وقعت عينُ هرثمةَ عليه، أَومأ إلى النُّزول خدمةً لعليِّ بن عيسى، فصاح به عليّ: واللهِ لَئن نزلتَ لأَنزلنّ، فاعتنقا وقَبَّل كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه، وسارا يتحدَّثان حتى وصلا إلى قنطرةٍ لا يجاوزها إلَّا فارس، فتأخَّر هرثمةُ وقال لعليّ: سر على بركة الله، فامتنع، فأَقسم عليه هرثمة، فسار، ودخلا مروَ ونزلا منزلَ عليّ، ورجاءٌ الخادمُ مع هرثمةَ لا يفارقه، وقُدِّم لهم الطعام، فأكلوا، ثم دفع رجاءٌ الخادمُ كتابَ الرشيدِ إلى عليِّ بن عيسى، فلمَّا قرأ أوَّله سُقِط في يده، وتيقَّن أنَّه قد حلَّ به ما كان يتوقعه، ثم أمر هرثمةُ بتقييده وتقييدِ ولده وكتَّابه وعمَّاله، فلمَّا استوثق منهم، صعد المنبرَ في جامع مروَ، وأخبر الناسَ بإنكار أميرِ المؤمنين لِمَا بدا من عليِّ بن عيسى، وأنَّه لم يأمرْه بالظُّلم بل بالعدل، وقرأ عليهم عهدَه وطيَّب قلوبَهم، فعلت أصواتُهم بالتكبير والدعاءِ للرَّشيد.

ثم نزل ونادى في المسلمين وأهلِ الذِّمَّة: مَن كانت له مطالبة أو وديعةٌ فلْيَحْضُر، فحضر الناسُ وأَحضروا الودائع، إلَّا رجلًا من أبناء مجوسِ مروَ يقال له: العلاءُ بن ماهيار (٢)، وكان لعليٍّ عنده مال، فأَرسل إليه سرًّا يقول: لكَ عندي مال، فإن أمرتَني بحمله حملتُه، وإلَّا صبرتُ للقتل فيك؛ إيثارًا للوفاء، وطلبًا لجميل الثَّناء، فقال: لو


(١) في (خ): وتلقاه. وانظر تاريخ الطبري ٨/ ٣٣٤. وقد ذكر هذه الأحداث سنة ١٩١ خلافًا لغيره.
(٢) في تاريخ الطبري ٨/ ٣٣١: ماهان.