اصطنعتُ مثلَك ألفَ رجل ما طمع فيَّ السُّلطان، ثم قال: احفظْه عندك، فإنْ هلكتُ فهو لك، وإن بقيتُ رأيتُ فيه رأيي، وكان مالًا عظيمًا، فيه جواهرُ وطيب كثير، فاستصفى هَرْثمةُ جميعَ أموالِ عليّ، حتى نسائهم وسقوف منازلهم، وكان الرجالُ يفتِّشون بواطنَ النساء، ويجعلون ذلك وسيلةً إلى أغراضهم.
ولمَّا فرغ هرثمةُ من استصفاءِ الأموال، أقام عليًّا وولدَه وكتَّابه لمظالمِ الناس، فكل مَن ادَّعى عليه بمالٍ أو بحقّ يقول له هرثمة: اُخرج من حقِّه، ثم يقول لصاحب الحق: ترى أن تؤجِّلَه؟ فيقول: نعم. ولم يَسلَم لعليٍّ من المال سوى ما كان عند المجوسيّ، فكان المجوسيّ يجتمع بصاحب الحق ويُرضيه من ذلك المال، وزعم رجل أنَّ عليًّا أخذ منه دَرَقةً قيمتها ثلاثةُ آلافِ درهمٍ ومَطَلَه، فوقف له يومًا يطلب ثمنَها، فقذف أمَّه وشتمه، فطلب قَذْفَ أمِّه وثمنَ دَرَقته، فقال له هرثمة: ألك بيِّنة؟ قال: نعم، وأَحضر شهودًا، فقال هرثمةُ لعليّ: وجب عليك الحدّ، فقال له عليّ: هذا من فهمك وعلمِك! أَشهد أنَّ أمير المؤمنين قذفك غيرَ مرَّة، وأَشهد أنَّك قذفت أولادَك غيرَ مرة، فمَن يأخذ لهؤلاء بحدودهم منك! ومَن يأخذ من مولاك! فقال هرثمةُ لصاحب الدَّرقة: اُطلب ثمنَ دَرَقتِك الآن، ودعْ قذفَ أمِّك.
وكتب هرثمةُ إلى هارونَ يُخبره بما صنع، فكتب إليه يشكره ويصوِّب آراءه فيما فعل.
وفيها قدم الرشيدُ من الرقَّة إلى بغدادَ في السُّفن لخمسٍ بقين من ربيعٍ الأول، واستخلف ابنَه القاسمَ على الرَّافقة، وضم إليه خُزَيْمةَ بن خازم، وسار من بغدادَ لخمسٍ خلونَ من شعبان، فنزل النَّهروان، واستخلف على بغدادَ محمدًا الأمين.
وقال ذو الرِّياستين: قلتُ للمأمون لمَّا عزم هارونُ على المسير إلى خراسانَ لحرب رافعِ بن الليث: لستَ تدري ما يحدث بأبيك، فإنْ أقمت ببغداد، فأَحسنُ ما يُصنع بك أن تُخلعَ من العهد؛ لأنَّ محمَّدًا ابنُ زبيدة، وأخواله بنو هاشم، وقد عرفتَ زبيدةَ وأموالها. فسأله أن يكونَ معه، فأذن له بعد امتناع منه (١).
وقال ابنُ الصباح الطبريُّ مولى عيسى بنِ جعفر الهاشمي: شيَّع أبي هارونَ حتى