للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نزلتُ بجارٍ لا يُخَيَّبُ ضيفُهُ … أُرَجِّي نجاتي من عذابِ جهنَّمِ

وإنِّي على خوفٍ من اللهِ واثقٌ … بإنعامهِ واللهُ أكرَمُ مُنعِمِ

ملك شاه بن ألب أرسلان (١)

ابن داود بن ميكائيل بن سلجوق، أبو الفتح، جلال الدولة، كانت له أفعال في الخيرات كثيرة، وفي العزل غريبة عجيبة، يُنصف المظلوم من الظالم، ويردع العساكر عن العظائم والمآثم، وأسقط الضرائب والمكوس من بلاده، وكان مبلغها ألفي أَلْف دينار، وكان حسنَ الوجه، كريمَ الأخلاق، عظيمَ الخِلْقة، كثيرَ الركوب، لا يستقرُّ فِي مكان، وكان حسنَ السيرة، عمر القناطر والجسور، وأسقط الضرائب والمكوس، وحفر الأنهار، وبنى الجامع على باب بغداد والمدرسة التي تقابل مشهد أبي حنيفة ، وكان حنفيًّا، وبنى وراء النهر منارةً من قرون الغزلان، وبنى أخرى مثلها ظاهر الكوفة، وقالوا: قال: أحصوا ما صِدْتُ بنفسي من الصيود، فأُحصي، فكان عشرة آلاف صيد، فتصدَّق بعشرة آلاف دينار، وقال: إنِّي خائف من الله تعالى من إزهاق روحٍ لغير مأكلة.

وخُطِبَ له من أقصى بلاد الترك والصين إِلَى أقصى اليمن، وراسله الملوك، حتَّى قال نظام الملك: كم من يومٍ قد وقَّعتُ بإطلاق إقاماتٍ لرسل ملك الروم، ورُسلِ ملك اللَّان والخزر والزنج والسند والهند والصين والشَّام واليمن وفارس والأهواز وغير ذلك.

وكان خَراجُ هذا السلطان فِي السنة عشرين أَلْف أَلْف دينار، وكانت السُّبُلُ فِي أيامه آمنةً، ونيَّتُه فِي الخير جميلةً، تقف له المرأة والضعيف، فيقف لهم، ولا يبرح من مكانه حتَّى ينصفهم، وصان دُورَ البلاد عن ترك العساكر، وصان حريمَهم، وكانت له هيبةٌ لم تكن لغيره، ولمَّا توجَّه إِلَى قتال أخيه تُتُش اجتاز بطوس، فنزل عند تربة علي بن موسى الرضا رحمة الله عليهما ومعه النظام، فترجَّل وصلَّى ودعا وتصدَّق بمال على العلويين، فلمَّا خرج قال: يَا حسن، ثم دعوتُ فقال: بأن يظفرك الله بأخيك. فقال:


(١) المنتظم ١٦/ ٣٠٧ - ٣٠٨، والكامل ١٠/ ٢١٨.