فيها أَوقع الرشيدُ بالبرامكة، وقتل جعفرَ بن يَحْيَى، وحبس يَحْيَى وأهلَه.
واختلفوا في سبب ذلك على أقوال (١):
قال ثُمامَةُ بن أَشرَس: كتب محمَّد بن اللَّيث إلى هارونَ يَعِظُه ويقول: إنَّ يَحْيَى لا يُغني عنك من اللهِ شيئًا، وقد جعلتَه فيما بينك وبين الله، فكيف بك إذا وقفتَ غدًا بين يدي اللهِ تعالى فسألك عمَّا فعلت في بلاده وعبادِه، فتقول: ياربّ، إنِّي استكفيتُ بيحيى في ذلك. مع كلامٍ كثيرٍ فيه توبيخٌ وتقريع.
فدعا الرشيدُ يَحْيَى وقد علم، فقال: أَتعرف محمَّد بن اللَّيث؟ قال: نعم، قال: أيُّ رجل هو؟ قال: متَّهم على الإِسلام. فأمر بمحمَّد فحُبس في المُطْبَق دهرًا، فلمَّا تنكَّر الرشيدُ للبرامكة ذكره، فأمر بإحضاره، وقال له: يا محمَّد، أَتحبُّني؟ قال لا والله، كيف أحبُّك وقد قيَّدتني وكبَّلتني بالحديد! وحُلتَ بيني وبين عيالي من غير ذنبٍ أتيتُ ولا حدثٍ أحدثت! سوى قولِ حاسدٍ يكيد الإسلامَ وأهلَه! فكيف أحبُّك؟! فأمر بإِطلاقه، وأعطاه مئةَ ألفِ درهم، وقال له: انتقمَ الله لك ممَّن ظلمك، وأخذ بحقِّك ممَّن حملني عليك. فقال الناسُ في البرامكة فأكثروا، وكان ذلك أولَ ما ظهر من تغيُّر حالهم.
والثاني: أنَّه نُقل إلى هارونَ أنَّ البرامكةَ يرون رأيَ المجوس، وأنهم يُبطنون ذلك ويميلون إلى مذاهبهم.
والثالث: أنَّ الفضلَ بن الربيعِ كان عدوَّهم يَحْسِدهم ويُكثِّر عليهم عند هارون، دخل الفضلُ يومًا على يَحْيَى بنِ خالدٍ في حاجة، فلم يرفعْ له رأسًا، ولا قضى حاجتَه، مخرج مُغْضَبًا، فقال يَحْيَى لبعض خاصَّته: اِتْبعه واسمعْ ما يقول، فتبعه الرَّجل، فلمَّا استوى على سرجه عضَّ على شفتيه وقال:[من الطَّويل]
(١) انظر هذه الأقوال في تاريخ الطبري ٨/ ٢٨٧ - ٣٠٠، والمنتظم ٩/ ١٢٦ - ١٣٧، والكامل ٦/ ١٧٥ - ١٨٠، وتاريخ الإسلام ٤/ ٧٨٤ - ٧٨٩.