فتُدرَك آمالٌ وتُقضى مآربٌ … ويَحدث من بعد الأمورِ أمورُ (١)
وأُخبر يَحْيَى بقوله، فردَّه وقضى حاجتَه، فما مضت إلَّا أيامٌ يسيرةٌ حتَّى سَخِط هارونُ على البرامكة واستوزرَ الفضلَ بن الرَّبيع.
والرابع: أنَّ هارونَ نُقل إليه أنَّ البرامكةَ يميلون إلى آل أبي طالبٍ، ويبعثون إليهم بخُمس أموالهم، وأنَّهم على عزم نقل الخلافةِ إليهم.
وقال جبريلُ المُتَطبِّب: أول ما بدا من أمر هارونَ في حقِّ البرامكةِ: أنَّ يَحْيَى بن خالدٍ كان يدخل على هارونَ ولو كان في فراشه لا يُحجب عنه. قال جبريل: فدخل يَحْيَى يومًا وأنا قاعدٌ عند الرشيد، فسلَّم، فردَّ عليه هارونُ ردًّا ضعيفًا، والتفت إليَّ هارونُ وقال: يا جبريل، أَيدخل عليك أحدٌ بغير إذن؟ قلت: لا، قال: فما بالُنا يُدخَل علينا بغير إِذن؟! فقال له يَحْيَى: قد كنت أدخل عليك وأنت متجرِّد في فراشك بغير إِذن، وكنت أظنُّ أنَّ ذلك شيءٌ خصصتَني به، وأمَّا إذا كره أميرُ المؤمنين ذلك، فأكونُ في الطبقة الثانيةِ أو الثالثة، فخجل هارونُ منه وأَطرق ما يرفع إليه طرفَه وقال: ما أَردتُ ما تكره، ولكنَّ النَّاس يقولون. ثم قام يَحْيَى وخرج.
وقال محمَّد بنُ الفضل: دخل يَحْيَى بعد ذلك على الرَّشيد، فقام إليه الغِلمان، فقال هارونُ لمسرورٍ الخادم: مُر الغلمانَ إذا دخل يَحْيَى لا يقوموا له. فدخل فلم يَقُمْ إليه أحد، فارْبَدَّ لونُه. وكان الغلمانُ والحجَّاب إذا رأوه بعد ذلك أَعرضوا عنه، وكان إذا عطش يستسقي شربةً من ماءٍ فلا يسقونه، وبالحَرى أن يسقوه بعد أن يدعوَ بها مرارًا. وما زال كذلك حتَّى قَتل هارونُ ولدَه جعفرًا وقبض عليه.
وقال موسى بنُ يَحْيَى: طاف أبي بالبيت في السَّنة التي أُصيب فيها وأنا معه دون ولدِه، فتعلَّق بأستارِ الكعبة، وجعل يردِّد الدُّعاء ويقول: اللَّهم إنْ كنتَ تعاقبني بذنوبي فهي جَمَّة لا يُحصيها غيرُك، فاجعل عقوبتي في الدُّنيا وإنْ أحاط ذلك بسمعي وبصري ومالي وولدي، حتَّى يبلغَ رضاك عَنِّي، ولا تجعلْ عقوبتي في الآخرة.