للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان خفيفَ العارضين، أسمر، مليحَ اللَّوْن، عادلًا، عاقلًا، مُنْصفًا، مُحْسنًا، جَوَادًا، صَبَرَ على حصار صلاح الدين للموصل ثلاث مرات، وحفظ البلد، وفرَّق الأموال العظيمة، ودارى حتَّى يَسْلَمَ له المُلْك، وكان قد بنى في داره مسجدًا يخرج إليه في الليل، ويصلي فيه أورادًا كانت له، ويلبس فَرَجية [كانت عنده] (١) أهداها له الشيخ عمر النَّسائي الصُّوفي، فيصلِّي فيها، وكان قد خرج من المَوْصل لقتال الملك العادل، وكان على حَرَّان بعد موت صلاحِ الدين، ثم عاد في سابع وعشرين شعبان مريضًا واحْتُضر، فجعل يتشاهد، ويذكر الله تعالى، ويقر بالشَّهادتين، وعذاب القبر، ومنكر ونكير، والصِّراط والحساب والميزان، وتوفي ودفن بمدرسته التي أنشأها بالمَوْصل مقابل دار السَّلْطنة، وكانت أيامه ثلاث عشرة سنة وستة أشهر، وأوصى بالملك لولده الأكبر نور الدين رسلان شاه، وكان أخوه شرف الدين مودود يرومُ السَّلْطنة، فصُرفت عنه إلى نور الدين، وقام بالأمور مجاهد الدين قَيماز الخادم أحسن قيام.

منصور بن المبارك بن الفضل (٢)

أبو المُظَفَّر الواسطي الواعظ، الملقب جرادة.

قدم بغداد، واستوطنها، [وكان يعظ في المساجد وعظًا مطبوعًا، وكان] (١) ظريفًا كيسًا [وله واقعات عجيبة] (١)، جلس يومًا بمسجد باب أبرز، وذكر حديث النبي : "من قتل حية كان له قيراطان من الأجر، ومن قتل عقربًا كان له قيراط" (٣). فقام واحد فقال: يا سيدنا، ومَنْ يقتل جرادة؟ قال: يصلب على باب المسجد.

[وسأله رجل يومًا في المجلس، فقال: أين يقف جبريل من العرش، أو أين يقف ميكائيل وعزرائيل؟ فكاشر ساعة، ووقع في المحلة خباط، فقال لبعض الناس: قم واخرج واكشف لنا ما هذا؟ فخرج الرجل وعاد، فقال: إنسان قد ضرب زوجته، فقوي الصراخ، فقال لآخر: قم أنت واكشف الخبر. فقام وخرج وعاد، فقال: رجل قد


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) له ترجمة في "التكملة " للمنذري: ١/ ١٩٧، و"شذرات الذهب": ٥/ ٣٠٠.
(٣) لم أقف عليه بهذا اللفظ في دواوين السنة.