وكنيته أبو جهير، البصريُّ الزاهدُ العابد، من قتلى صالح المري، ذكر واقعته جماعةٌ منهم ابن أبي الدنيا والخطيب، فقال الخطيب: أخبرني عبيدُ الله بن أبي الفتح الفارسيّ بإسناده عن صالح المُرِّيّ قال: قال لي مالك بن دينار: اغدُ بي يا صالح إلى الجبَّانة، فإنِّي قد وعدتُ نفرًا من إخواني بأبي جهير مسعود الضرير، نسلِّم عليه، فقال صالح: وكان أبو جهير هذا قد انقطعَ إلى زاوية يتعبَّدُ فيها، لا يدخل البصرة إلَّا يومَ الجمعة في وقت الصلاة، ثمَّ يرجع من ساعته، قال: فغدوتُ لموعد مالك إلى الجبانة، وإذا به قد سبقني ومعه محمد بن واسع وثابت البُناني وحبيب العجمي، فقلتُ: هذا يوم سرور، فانطلقنَا نريدُه، فأتينَا منزلَه، فسألنا عنه، فقيل: الآن يخرجُ إلى الصلاة قال: فانتظرناه فخرج رجلٌ إن شئتُ أن أقولَ قد خرجَ من قبره لقلت. قال: فوثبَ رجلٌ فأخذ بيده، فأقامَه عند باب المسجد، فأذَّن، ثم دخلَ فصلّى ما شاء الله، ثم أقامَ الصلاة، فصلَّينا معه، فلمَّا قضى صلاته جلس كهيئة المهموم، فتوافر القوم في السلام عليه، فتقدَّم محمد بن واسع فسلَّم عليه، فردَّ السلام وقال: من أنت؟ قال: محمد بن واسع، قال: مرحبًا وأهلًا، أنتَ الذي تقول هؤلاء -وأومأ بيده إلى البصرة- إنَّك أفضلُهم، لله [أبوك إن قمت بشكر ذلك]، فقام ثابت البناني فسلَّم عليه، فقال: من أنت؟ قال: ثابت، قال: مرحبًا، أنت الذي يزعم أهل هذه القرية أنَّك من أطولهم صلاةً؟ فقام إليه حبيب العجمي فسلَّم عليه، فقال: من أنت؟ [قال: أنا حبيبٌ، أبو محمد] قال: مرحبًا أبا محمد، أنت الذي تزعم هؤلاء القوم أنَّك لم تسأل الله شيئًا إلَّا أعطاك؟ فهلَّا سألتَه أن يخفيَ لك ذلك، وأخذ بيده فأجلسه إلى جنبه، فقام مالكٌ فسلَّم عليه، فقال: من أنت؟ فقال: مالك بن دينار، قال: بخٍ بخٍ! أبو يحيى، إن كنت كما يقولون، أنت الذي يزعمُ هؤلاء أنَّك أزهدهم، الآن تمَّت الأماني، قال صالح: فقمتُ لأسلِّمَ عليه، فأقبل على القوم وقال: انظروا كيف تكونون في مجمع القيامة، قال: فسلَّمتُ عليه، فقال: من أنت؟ قلت: صالح، قال: أبو بشر القارئ، قلت: نعم، فقال: مرحبًا بك، قد أتمنَّاك على ربِّي، ثم قال: اقرأ عليَّ، فابتدأتُ، فما أتممتُ الاستعاذَة حتى خرَّ مغشيًّا عليه، ثم أفاق، فقال: عد إلى قراءتك، فقرأت قوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣)﴾ [الفرقان: ٢٣] قال: فصاح