للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يموت، وبكى عبد العزيز لبكائه، ثم بكى سلمان وأنا لبكائهم، لا أدري ما أبكاهم! فسألت عبد العزيز عن بكائه فقال: إني نظرت إلى أمواج البحر تموجُ، فذكرت أطباق النيران وزفراتها، فذلك الذي أبكاني، ثم سألت كلابًا وسلمان فقالا نحوًا من ذلك، قال مسمع: فما كان في القوم شر منِّي، ما كان بكائي إلَّا لبكائهم رحمةً لما يصنعون بأنفسهم.

وروى أبو نعيم عن محمد بن عبد العزيز بن سلمان قال: كان أبي إذا قامَ من الليل ليتهجَّد سمعتُ في الدار جلبةً شديدةً، واستقاءً للماء الكثير، قال: فنرى أنَّ الجن كانوا يستيقظون للتهجُّد، فيصلُّون معه.

وروى ابن ناصر بإسناده إلى دهثم -وكان من العابدين- قال: كنت آتي عبد العزيز، فأبطأتُ عليه يومًا ثم جئتُه، فقال: ما الذي أبطأك عنِّي؟ قلت: العيال، قال: هل وجدت لهم شيئًا؟ [قلت: لا]، قال (١): فهلمَّ لندعو، فدعا بدعاءٍ، وأمَّنتُ، وإذا والله الدراهمُ والدنانير تتناثرُ في حجورنا، فقال: دونكها، ومضى ولم يلتفت، قال: فأخذتُها وعددتها، وإذا مئةُ دينار ومئة درهم، قيل له: فما صنعت بها، قال احتبستُ قوتَ عيالي جمعةً حتى لا يشغلوني عن خدمة عبد العزيز ورؤيته (٢)، ثم أخرجت الباقي في سبيل الله. فقال الراوي: يحقُّ والله لهؤلاء أنْ يُرزقوا بغيرِ حساب.

وروى ابن أبي الدنيا قال: قيل لعبد العزيز: ما بقي من لذَّتك؟ قال: سردابٌ أخلو فيه بربي.

قال: وكان لا ينام إلا مغلوبًا، ويقول: لا نومَ في دار الدنيا، ما للعابدين والنوم!

وروى ابن أبي الدنيا أيضًا قال: دعا عبد العزيز يومًا في مجلسه لمُقْعَدٍ من إخوانه، فوالله ما انصرفَ المقعد إلى أهله إلَّا ماشيًا على رجليه بإذن الله تعالى (٣).


(١) فوقها في (خ): كذا. وما بين حاصرتين من المنتظم ٨/ ١٢٥، وصفة الصفوة ٣/ ٣٧٨.
(٢) في المنتظم ٨/ ١٢٦، وصفة الصفوة ٣/ ٣٧٩: حتى لا يشغلني عن عبادته وشكره وخدمته فكرٌ في شيءٍ من عرض الدنيا.
(٣) كتاب مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا (١٢٣).