وفيها فُتحت مصرُ والإسكندريةُ في أشهرِ الرواياتِ عن ابن إسحاق وأبي مَعشر والواقدي ويزيد بن أبي حَبيب، قالوا: فُتحت مصرُ يوم الجمعةِ غُرَّةَ المُحرَّم سنةَ عشرين.
وقال سيف: فُتحت مصر سنة ستَّ عشرة، وفي روايةٍ عنه سنة ستٍّ وعشرين، والأَوَّل أصحُّ، وقيل في سنة إحدى وعشرين، وسنة اثنتين وعشرين (١).
واختلفوا في كيفية فَتْحِها، قال [ابن] إسحاق: لما فرغ عمر رضوان اللَّه عليه من الشام، كتب إلى عمرو بن العاص: أن سِرْ إلى مصر، وكان بفلسطين، وأردَفَه بالزُّبير ابن العَوّام ﵁، وقد كان الأَرطبون هرب من الشام إلى مصر فيما تقدّم، وكان ملك الساحل، فصار إلى الإسكندريّة وبها المقَوْقِس.
وكان المقوقس يُؤدّي خراجَ مصر إلى الرُّوم، وكذلك ملوكُ مصر قبلَه، فسار عمرو والزبير ﵁ حتى نزلا البابَيْن، فجاءا قُرى ما بين البُويب والصَّعيد ومصر والإسكندرية، فجاءت رُسلُ ملك مصر، وهو المقوقس، وكان مقيمًا بالإسكندرية إلى عمرو بن العاص يقول: إنني كنتُ أُؤدِّي الخراج إلى مَن هو أبغضُ إليَّ منكم -وهم فارس والروم- فإن أحببتَ أن أُعطيَك الجِزية، وتَردّ عليّ ما أصبتُم من السبايا فعلتَ.
فبعث إليه عَمرو يقول: إن فوقي أميرًا لا أقدرُ أن أقطعَ أمرًا دونه، فإن شئت أن أُمسكَ عنك، وتُمسك عني؛ حتى أكتبَ إليه فافعل، فكتب إلى عمر رضوان اللَّه عليه يُخبره الخبر، فكتب إليه: أجِبْه إلى ما سأل، على أن تُخيِّروا مَن في أيديكم من سَبْيهم بين الإِسلام وبين دين قومِهم، فمَن اختار الإِسلام فهو من المسلمين، ومن اختار دينَ قومه أُخذت منه الجِزية، أمّا مَن تفرَّق من سَبْيهم بأرض العرب، ووصل إلى الحَرمَيْن واليمن وما والاه؛ فإنا لا نَقدر على ردِّهم، ولا يَنبغي أن نُصالحهم على أمر لا نقدر
(١) من قوله: في أشهر الروايات. . . إلى هنا ليس في (أ) و (خ)، ومن هنا إلى ذكر الفسطاط ليس في (ك).