[وقد رأيت القاضي شريحًا، وكان ألطف العالم وأذكاهم](١).
أبو القاسم بن المقرئ، حاجب الدِّيوان
كان شابًّا حسنًا، يعاشر ابنَ الأمير أصبه شابًّا جميلًا، جلسا يومًا، فداعب ابنُ المقرئ ابنَ أصبه، فرماه بسكِّينٍ صغيرةٍ، فوقعت في فؤاده، فقتلته، فَسَلَّم الخليفةُ ابنَ المقرئ إلى أولاد أصبه، فلما خرجوا به ليقتلوه، أنشد:[من الوافر]
قَدِمْتُ على الإله بغير زاد … من الأعمالِ بل قلبٍ سليمِ
وسوءُ الظَّنِّ أَنْ تعتدَّ زادًا … إذا كان القدومُ على كريمِ
فقتلوه، رحمه الله تعالى.
السنة الرَّابعة وست مئة
فيها ولي [خالي أبو محمد](١) محيي الدين يوسف بنُ الجوزي الحِسْبة بجانبي بغداد.
ودرَّس الكمال عبد الرَّحيم بن محمد الواسطي بمدرسة أم الخليفة مكان الفارقي.
وقَدِمَ الحاجُّ من مكة في صفر، وحكوا ما لقوا من صدرجهان وشِدَّة العطش، وأن غِلْمانه كانوا يسبقون النَّاس إلى المناهل، فيأخذون الماء، فيرشُّون به حول خيمته، ويسقون أحواضَ البَقْل على الجمال، وماتَ عطشًا أكثرُ النَّاس، وسمُّوا هذه السنة سنة صدر جهنم، ولما وصل إلى بغداد لم يخرج أحدٌ للقائه، ولعنوه في وَجْهه، وسبُّوه في الأسواق، وكتبوا لعنته على المساجد والجوامع، وكان النِّساء يخرجن [صارخات](١)، منشرات الشُّعور، يَلْطِمْنَ على موتاهن، ويقلن: العنوا صَدْرَ جهنم. فسأل الوزيرَ أَنْ يأذن له في الرُّجوع إلى بلده، فخلع عليه جُبَّة وعِمامة وطَيلَسان، وخرج من بغداد والنَّاسُ خلفه يسبُّونه، ولم يقدر أحدٌ على مَنْعهم.
قال المصنف: وحججتُ [أنا](١) في هذه السنة، وهي الرابعة وست مئة، ورأيتُ من الموتى ما أذهلني، وخصوصًا في النقرة والغُسَيلة، فإني رأيتُ فيهما ما يزيد على خمسة آلاف ميت، ومشينا ثلاثة أيام في الأموات.