للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت قُلان طره تتردَّدُ من المغرب إلى مصر، وكانت الجزائر بأسرها داخلةً في ملك اليونان: صِقِلِّية وقبرس والأندلُس، وجميعُ ما على البحر الرومي من البلاد الروميةِ وأعمالها، فإنها كانت للروم. وأقامت قلان طره ملكةً عشرين سنة، وقيل: اثنتين وعشرين، ثم قتلت نَفْسَها لما نذكر.

وقال علماء السير: فجميع ملوك اليونان بعد الإسكندر عشرةٌ والمرأة، وقيل: ثلاثةَ عشر آخرهم المرأة. ومدة ملكهم مئتان ونيف وأربعون سنة، وقيل: مئتان وستون سنة، وقيل: ثلاث مئة وأربع سنين.

[حديث المرأة مع ملك الروم]

لما اشتهر اليونانُ بالحكمة والفضائل والمُلك، حَسَدهم ملوك الروم، وكان مُلْك الروم برُومِيَة، ولم تكن القسطنطينية بُنيت بعد، وما كانوا يتجاسرون أن ينالوا من أطراف اليونان شيئًا، فنبغ فيهم ملك جبار يقال له: انطوطس (١)، ويُسمى بقيصر، ويقال: إنه أول مَن تسمَّى به، وإليه تُنسَب القياصرة.

وبلغه أنَّ ملوك اليونان قد انقرضوا ولم يَبقَ منهم سوى امرأة، فجمع العساكر وسار إليها من رُومية، وهي وزوجها يومئذ بمصر، فخرج إليه زوجها فقتله قيصر. وكانت قُلان طره امرأة حازمة، فأرسل إليها يخطبها ويقول: ما قصدي إلا أن تصير المملكتين واحدة، وأن أقرب منك لفضلك وعقلك. وعَلمتْ أنه متى تمكن منها قتلها، فأجابته وقالت: تقيمُ في مكانك إلى يومٍ بعينه، فأقام.

فأفكرت في حيلة تحتالُ بها عليه، فرأت أن تُهلكَ نفسها وتُهلكَه معها، ولا يتمكَّن منها. فعَمَدت إلى حَيَّة تكونُ بالصَّعيد في الرَّمل، تَثِبُ في الهواء فتضربُ الإنسانَ، فما يجتمعُ، فجعلتها في إناء من زجاج، وزّيَنَت قصرها، وفرشت مجلسها بالرياحين، ولَبِست تاجها، وجلست على سريرها، واستدعت قيصر.

فلما دخل من باب القصر قَرَّبت يدها من الحية فضربتها، وانسابت في الرياحين، ووصل قيصر إلى السرير، ولم يشك أنها في عافيةٍ، فجلس إلى جانبها، فرآها ميتةً،


(١) في مروج الذهب ٢/ ٢٨٦: أغسطس.