وقال ابن القلانسي: في هذه السنة وردت الأخبار باستشهاد السلطان ألب أرسلان بنهر جيحون بيد من اغتاله من الباطنية المتزيين بزي الزهَّاد والمتصوفة، وليس كما ذكر ابن القلانسي، والمشهور ما ذكرنا، وكُتمت وفاتُه حتَّى عبروا جيحون في ثلاثة أيام، ثم جلس ملك شاه على السرير، وخلع عليه الخِلَع التي بعث بها إليه الخليفة مع عميد الدولة ابن جَهير إلى أصفهان، فقال له نظام الملك: أيها السلطان، تكلَّم -وعلى رأسه الأمراء- فقال: الأكبرُ منكم أبي، والأوسطُ أخي، والأصغرُ ولدي. ووعدهم الجميل، فدَعَوا له وأطاعوه، وأنفق فيهم سبع مئة ألف دينار برأي نظام الملك، وساروا إلى مرو، ودفن السلطان بها إلى جانب والده، وأقام ابنه إلياس ببَلْخ ولم يجتمع بهم.
وقال نظام الملك: لمَّا قطعنا النهر رأى السلطان في المنام كأنَّ إنسانًا جرحه في خاصرته وضربه بسكين، فأصبح يتألَّم من المكان، فكانت الجراحة فيه من الغد.
وقال سعد الدولة الكوهراني: لمَّا أيِس السلطانُ من نفسه قال: ما من وجهٍ قصدْتُه أو عدوٍّ أردْتُه إلا كُنْتُ مستعينًا عليه بالله، قويَّ النفس بنصره وعونه، إلا هذا الوجه، فإني شُغِلتُ بجمع العساكر، وشاهدتُ منها ما قَويَتْ به نفسي، ووقع تعويلي عليه، ولا أتصوَّر أنَّ أحدًا يقف بين يديَّ، ولقد ركبتُ أولَ أمس، ووقعتُ على تل، فأحسستُ بالأرض ترتجُّ من تحتي لعِظَم العسكر، وقلت في نفسي: ما في الدنيا سلطانٌ مثلي، ولا اجتمع لأحد ما اجتمع لي، وتخيَّلتُ أني آخذ ابنَ طبغاج وبلادَه وجميعَ ما وراء النهر، ولم يخطر لي ربي ببال، فلحقني ما لحقني من الجواب.
وقال ابن الصابئ: وكان لمَّا عبر النهر وبَلَغَ أهلَ بخارى عبورُه، وتقدَّمت سراياه، فاجتاحت الأعمال، ونهبت الأموال، واستباحت الحريم، وهربوا إلى سمرقند، واجتمع الصالحون والزُّهَّاد والعلماء والوُعَّاظ في الجامع وخلق كثير، وصاموا وصلُّوا أيامًا، وفيهم من لم يفطر ليلًا، وأخذوا في الابتهال إلى الله تعالى، والشكوى من السلطان والدعاء عليه، والتعجيل لدفعه عنهم، فكان من أمره ما كان، فكان ملكه ثمان